قد تكون الأحداث التي انعكست في هذه المقالات كما في المقالات المنشورة في كتابه (بين الرشاد والتيه) قد تجاوزها الزمنا، وقلب التاريخ صفحتها.
فالأنباء عن مسيرة الجزائر دخلت منعطفا جديدا، لكن منهج بن نبي في صياغتها لا يزال الأوفى بالرؤية المستقبلية.
لقد جمعت سائر المقالات بالفرنسية تحت عنوان (من أجل تغيير الجزائر)، بعناية أديب جزائري، هو الأستاذ نور الدين بوقروح، الذي يترامى إلينا من نشاطه السياسي ما أحسبه متلبسا بروح فكر بن نبي، وإذا كان لي أن أستخلص من هذا العنوان تقويما لأهية مقالات بن نبي الستينية، يأتي في التسعينات، فهو إدراك الجيل الجزائري الحاضر، بل والعربي معا لمرامي فكر جار سابقا لمسيرة الأفكار الجارية في عالمنا الإسلامي، بنصف قرن من الزمن أو يزيد.
وهذا يعني أن مجتمعنا الإسلامي أضاع مسيرة قرن بكامله، حائرا في طوفان العصر الحديث، دون أن يستخرج لمسيرته طريقا فاعلا ومثمرا.
بن نبي ومنذ الثلاثينات، وقد استفاق وعيه على أزمة العالم الإسلامي في قبضة الاستعمار، استطاع أن يستخرج القواعد الأساسية للنهضة، وأن يصيح في هدأة السكون الفكري وافتقاد الرؤية، داعيا إلى منهج، يطوي الشعارات التي أرخت لضلال العقود العشرة من القرن العشرين، وعلى سائر المستويات.
فمن كتابه (شروط النهضة) الذي صدر بالفرنسية في الأربعينات، إلى كتابه (وجهة العالم الإسلامي) في بداية الخمسينات، وإلى كتابه (الظاهرة القرآنية) ثم (الفكرة الإفريقية الآسيوية) في الفترة نفسها، ثم الكتب التي تلت، تؤصل المنهج، وتحدد أصول ميلاد المجتمع، وتشير إلى مشكلة الأفكار في العالم الإسلامي، وتبني قواعد البناء الثقافي في كتابه (مشكلة الثقافة)، وتحدد موقع المسلم من عالم الاقتصاد الحديث .. نرى بن نبي الكلمة الهادية إلى المرتقى الصعب في بناء الحضور الإسلامي،