والذي أشاحت عنه مسيرة القرن، حينما استسهلت الحلول، وأفرغت مخزون عنفوان الجيل في صيغ، بادرت الحماس وتلقفته، ليضيع في فضاء العبث، وسراب الرؤية، وهدر الطاقات والثروات في مسارب الاقتصاد العالمي؛ يستهلك الرفاهية كالماشية حتفها في سمنها.
في مقالات هذا الكتاب والذي سبقه (بين الرشاد والتيه)، نقرأ عن بن نبي المؤسس لمنهج يدعو الشباب إلى مزيد فيه، وتعديل في تقاصيله، وتصويب لما كان قد اتكأ عليه فكره من أمثال طرحتها المرحلة التي كتبت فيها تلك المقالات، ثم جاء الزمن يكشف زيفها.
فالذي يبقى من هذا الفكر الرائد هو (المنهج) الذي نقيس به الخطى، ونرسم علامات الطريق.
فنحن اليوم نرقب دراسات لـ (بن نبي) وفكره في كل موطن وفي كل مكان من عالمنا الإسلامي، ونشهد تحليلا يجهد له الشباب الناشئ، فيأوي إلى دفء روحه الإسلامي ونور إرشاده في سبل الفعالية وذلك حتى لا نتيه- ونحن على عتبة القرن الحادي والعشرين- في متاهات قرن مضى، أحاط بفكرنا ومقدراتنا، وجعلنا رهائن عالم صناعي، زجنا جميعا في قفص اقتصاده الاستهلاكي؛ بعض نا يستكين له، فينضو عن كاهله ثوب القضية ورسالتها، وبعض نا يعالج قضبان ذلك القفص بصراخ الاحتجاج وتذكر الماضي.
في هذا الكتاب، الذي هو خاتمة إشرافي على كتب مالك بن نبي، أستودع الجيل أمانة منهج بن نبي، ليضيف إليه عمقا في الرؤية، وطريقا يستشرف المستقبل ويحزم الفكر بحزم الأصالة؛ أصالة تجلس على طاولة العمر، في حضور يمتلك ناصية المسيرة، وكلمة تحاور الأمم وتجاور الثقافات.