للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

نعم كما قالت العجوز التبسية "الويل لمن ينجدنا لأننا سنكون بلواه". لقد كان على إتيين دينيه أن يدفع هذه الضريبة.

كل ذلك أفهمه اليوم .. من الذي لم أستطع فهمه البارحة، حالة الإهمال والتلف في تلك الأماكن، التي تأمل دينيه عبرها في عمله الفني ونضاله الملتزم.

إنني لا أجرؤ على التصريح بكل ما أفكر به في هذا الموضوع؛ إنما أعلم أنه في العمق هنالك شيء من البراءة. ومن عدم الوعي من جانبنا، ولكنني مضطر أن أسجل بأن تلك البراءة وافتقاد الوعي، يبدوان وكأنهما استمرار لموقف الاستعمار من دينيه.

لن أشير هنا إلى التفاصيل التافهة. فأنا لا أدري مثلا أي يد مدنسة وضعت على صورة الرسام الصغير، المعلقة على حائط المقبرة، تحت اسمه المكتوب بخط عربي لائق، اسمه بخط لاتيني مليء بالخطأ، وكل حرف فيه يرتجف. لا ريب كان ذلك مجرد تصرف صبياني يمكن تحمله من أمي. كما لن أتحدث عن نافذة الضريح، الذي سدته يد بربرية بتلك الأحجار الصغيرة التي جمعت من حوله دون أن تكلف نفسها عناء طلائها من الداخل. لكن الذي يصدمنا أكثر إنما هو تصرفات أخرى، تشير إلى روح الجش والاستغلال والاستثمار.

فمنتجع دينيه لم يترك لعوامل الطبيعة فحسب، بل قسم وبيع مفرقا. ومن اقتناه حوله إلى مسكن على طراز مدينة الصفائح. فبابه استبدل بلوح من الصفيح المموج، يتسرب من خلاله ضوء النهار، فتلمح الممر الذي كان الرسام يجتازه، ليدلف إلى حديقته، ويأتي منتجعه فوق الوادي.

والمنتجع هذا، قد أضحى نفسه مع الحديقة ملك شخص آخر.

لم يبق لدينيه سوى ضريحه. لقد عزل عن بقية آثار دينيه، بحائط غير مورق، بل وبأية حالة!

<<  <   >  >>