لقد ساوى قلمه ريشته. وحين ألف كتابه (محمد نبي الإسلام) أضحى قلمه في بعض صفحاته ريشته الأشد سحرا.
فالفنان مثله وحاله الذي يمكنه في الواقع أن يكتب صفحة غزوة تبوك.
فالدفاع عن الإسلام، وإبراز قيمته بالريشة أو بالقلم، كانا إفشالا لمناورات الاستعمار، التي أرادت أن تستغل وتستنفد سائر المصادر الروحية للبلاد الإسلامية المستعمرة؛ كالجزائر ومراكش وتونس، لتصبح شعوبها أكثر استجابة لعمله التفتيتي.
إتيين دينيه قد واجه ذلك كله بريشته وبقلمه، فهو إذن قد فعل ما لن يغفره له الاستعمار أبدا.
فوالي عام ١٩٣١ زرت متحف اللوفر، وكنت أنتظر أن أجد فيه بعضا من لوحات ذلك الرسام الكبير، الذي كان قد توفي حديثا. وأشد ما كانت خيبتي أنني لم أجد شيئا منها، وحينما عبرت عن هذه الخيبة لطالب في الفنون الجميلة، كان قد تطوع بلطف ليرشدني، فوجئت بجوابه:
لحسن الحظ أنه لا يوجد مثل تلك القباحات هنا. لست أدري إذا كانت الأمور تغيرت منذ ذلك الزمن في متحف اللوفر، ولكني أفهم اليوم بصورة أفضل تلك الأمور.
ففكرة العجوز التبسية قد راودت فكري البارحة أمام قبر إتيين دينيه؛ وهي قد فسرت لي ذلك كله. ثم إن حياة وأعمال الرسام الكبير فسرت بالمقابل تلك الفكرة المؤلمة. حتى إنه حينما حمل المركب رفاته من فرنسا، حيث توفي، فإن الإدارة قد أخذت كافة الاحتياطات بين المرفأ ومحطة الجزائر. فقد نقل إلى مثواه الأخير في (بوسعادة) خلسة، بمعزل عن علم الجماهير، عبر جلفا، إذا لم تخني الذاكرة.