فالإيمان يمنح الشعب قوة احتمال ذلك البؤس بإباء، مرسيا على قسمات الوجوه، وفي سائر الأجواء، مزيدا من السكينة والهدوء.
لقد شعر دينيه وهو رجل الفن، أي رجل الإلهام والبصيرة، أن المؤامرة تحاك بالتحديد دائما ضد القوة المسعفة؛ والتي تحول دون سقوط هذا الشعب في ظلمة اليأس.
وقد بدا له أن الاستعمار لديه هو أيضا ذلك الحدس، الذي يتصل بواقع هذا الشعب، ولذا فسائر مخططاته الموجهة تصب دائما ضد مفصل صمود الروح الجزائرية؛ الإسلام. فإذا ما سقط هذا المفصل فلن يكون هنالك ما يعوق عمل الاستعمار. وهكذا يصبح الشعب لا قبل له بدفع مؤثرات الاستعمار، أو البرء منها.
لقد كان ذلك كله يتخايل في شعور إتيين دينيه، وهو يطل من شرفته التي أهملت اليوم، وتركت لعبث الزمن، وللرياح الحادة، التي أتلفت خشب تلك الشرفة.
وربما كانت هي تلك حالة النفس، التي جعلته يترك لفترة الريشة ليحمل القلم. في تلك الحقبة كان الدكتور كرونيه، نائب (جورا) في حينه. ينزل في الاستراحة بين جلستين من جلسات قصر بوربون، ليتوضأ ويصلي على رصيف السين، تحت أنظار المارة المتسكعين الذاهلين، وهم يجتازون جسر ألكسندر. بينما كريستيان دوشرفيل الذي أعلن إسلامه هو الآخر باسم عبد الحق، يؤلف كتابه نابليون والإسلام، الذي إليه سوف يسطر إتيين دينيه إهداء كتابه (الشرق من منظار الغرب)، وفي تصدير هذا الكتاب دافع إتيين دينيه بتواضع عن كونه مدققا. ولقد كان هذا الكتاب في الواقع نتاج عالم باحث اتخذ موقفا، أو كان كما يقال اليوم ملتزما، وهو التزام فيه مجازفة الملتزم، واندفاع تهور.
لقد التزم بالضبط ضد الفرنسيين من المستشرقين، حين رفع القناع بلا رحمة عن مخططاتهم وخداعهم ضد الإسلام.