وهكذا سوف نرى إتيين دينيه، يعلن على الملأ إسلامه في يوم من نحو عام ١٩٢٩، أمام جمع من المسلمين، ومن وجوه الإصلاح المرموقة. وهو سوف يسمي نفسه منذ ذلك الحين نصر الدين دينيه.
لقد كان ذلك انقطاعا عن وسطه وعن عائلته .. هذا الانقطاع الذي تم فعلا قبل ذلك لدى دينيه، بروح المكافح.
والبقعة التي تملكها واختارها بذوق الفنان، ليبني عليها مستقره الأرضي، والتي أضحت فيما بعد مستقره الأخير؛ لم تحترم لا من الناس ولا من الطبيعة. لكن الزائر الذي يأتي ليزور قبر إتيين دينيه، يرى أيضا وهو يجتاز الوادي، تلك الشرفة من ألواح الخشب التي تطل على منبسطه المليء بالحصى.
فالرسام شاء أن يبني بغير شك منتجعا يأوي إليه، في اللحظات التي تكون فيها العزلة حاجة كل مبدع.
غير أني لا أتصور أن الفنان المبدع قد جاء إلى هذه الشرفة، ليتأمل سحر الطبيعة فحسب، ويباغت عفوية حاملات الماء، اللواتي يأتين ليملأن الجرار والقرب، في ذلك الزمن الذي لم تكن (بوسعادة) قد جرت إليها المياه.
فنصر الدين كان كامنا في أعماق إتيين دينيه، وهو قد شعر بقوة بالرابطة التي تربطه كإنسان، بذلك المجتمع الذي رسم بعظمة الفنان كل ما هو جذاب فيه، وبادره بلمسة غالبا ما تكون مؤثرة.
لقد شعر بقوة مأساة ذلك الشعب، وها هو يشارك بإدراك منه في قدره المأساوي فبؤس الشعب وسكينته قد كسبا دينيه لجانب قضيته. وها هما يكشفان اللعبة التي تحاك في الظلام.