الرئيس بومدين خلال جولته "الأوراسية"، في الواقع كان هناك أيضا شيء من الديماغوجية، ولكن إذا كان (الحكم هو التنبؤ) كما يقول (ميترنيك)، فإن الديماغوجية لا تترك مجالا للتنبؤات.
إن الحكام في تلك اللحظة كانوا يميلون إلى خداع الرأي العام المنتشي، أكثر مما يميلون إلى تنويره على صعوبات المرحلة الجديدة، لهذا البلد الذي كان عليه أن يبنى من الصفر، إلا أننا كنا في مرحلة حرجة، كتلك التي يضعها (أوجين سو) في نهاية مأساته (اليهودي الشارد) حين يختفي الشخص اليسوعي الذي يجسد (سياسة القوة) - بعد الفشل الذريع- ويخلي الممان في المرحلة اللاحقة ليسوعي آخر يجسد الحيلة.
والحقيقة أن أقل ما كنا نتعرض لخطره في سنة ١٩٦٢، هو مشاهدة الاستعمار، يخرج من الباب، ليعود من النافذة.
ولكن على ما يبدو لم نكن نفكر بهذا الاحتمال حيث نجابهه باليقظة الضرورية والإجراءات السياسية المطلوبة، بكل بساطة، تركنا نوافذنا مفتوحة، بل إننا فتحنا نوافذ أخرى، وعلى الأخص، على الجبهة الأيديولوجية التي بقيت وحدتها وصلابتها غير منقوصة حتى ذلك الحين، بفضل تماسك موقفنا الدائم في وجه المحتل. ولكن التماسك زال بعد ذهاب المحتل، وزال معه نظام الدفاع الأيديولوجي، فبات قابلا لأن يخرق.
في تلك الحالة من التماسك المتلاشي، إذن، وفي جو مشحون بالديماغوجية، شرعنا في حل مشاكل الاستقلال. فلم نقدر بعضها حق قدرها، وبالغنا في تقدير البعض الآخر، حتى أهملنا بعضا منها.
وهكذا، كان على التعليم العالي عندنا أن يعاني على الأخد، من ذلك العجز، لقد طرحت مسألة التعليم العالي الواقع، ولكنها طرحت على مبدأ سليم جدا في الظاهر، وهو مبدأ (المحافظة على المستوى).