ليس من شيء أهم من ذلك في الظاهر، كان ذلك طموحا جميلا ومشروعا، شرط أن تتحول تلقائيا رغباتنا إلى وقائع (حقائق) وأن يصبح المبدأ ذاته أمرا واقعا (ملموسا) للأسف، شتان ما بين الرغبة والواقع.
يجب أن نتتبع تطوير تعليمنا العالي، منذ خمس سنوات، لنفهم أن المبدأ الذي سارت عليه كان خاطئا، وبهذه الطريقة أيضا نفهم كيف أن السنة التي أعلن بحسن نية- منذ بعضعة أشهر فقط- أنها ستكون سنة التنظيم، كانت بالضبط سنة الأزمات.
كيف سارت الأمور لتصل إلى هذه النتائج؟ لا شك يجب أن نتبع التطور الذي سارت فيه، وعلى الأخص التأثيرات التي خضع لها طلابنا حتى خلال السنوات السبع من الثورة.
ولكن لنعد المشكلة إلى عبارتها الأبسط، في سنة ١٩٦٢ كانت المشكلة تكمن أساسا في خيار واحد: كان الأمر يقضي إما بتحويل تعليمنا العالي ليتلاءم مع حاجاتنا ومع وسائلنا، وإما بتركه كما هو.
ووقع الخيار على هذا الاحتمال الأخير على أن يتضمن (المحافظة على المستوى) بطريقة غير مباشرة. واليوم، وعلى ضوء الأزمة الأخيرة، نرى بشكل أفضل نتائج عبارة خلابة تخفي خيارا تعيسا، ومع ذلك لا يبدو أن هناك من يدركها كلها بوضوح.
إذن يجب إعادة طرح المشكلة من جديد، ومن المنظور الأبسط على الأقل.
ولنذكر بادئ الأمر المحاولات الشكلية التي كانت خلال السنوات الخمس الأخيرة مجرد مشاريع ولدت ميتة؛ لأنها لم تكن تعبر عن إرادة حقيقية بتغيير جهاز تخريج الكادرات في بلادنا، بل كانت مجرد تقليد لتغييرات حدثت في العالم.
إلا أن الأمر لم يكن يتعلق بإصلاح تعليمنا العالي، لحدوث إصلاح (فوشيه) في فرنسا، بل وبكل بساطة لوجود حاجة ملحة للإصلاح في الجزائر.