للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

سليل الأمير لم ينم ليلته تلك. إذ عقب عناقهما الأخوي هذا قص عليه الحاج الإفريقي قصته. بل ملحمته الإفريقية.

لقد ترك موطنه في إفريقية الجنوبية، قبل أربع سنوات مع أطفاله وزوجته، التي أنجبت له عبر الطريق طفلا ما زالت ترضعه.

لقد قطع الطريق ماشيا حتى (بور سودان)، حيث وجد هنالك من يسعفه بمكان على ظهر مركب صغير، يحمل الحجاج إلى جدة.

وفي رطوبة الجو االمكي، قضى محدثنا ليلة بيضاء، لا يغمض له جفن، يتقلب مع تلك القصة التي تعتمل في رأسه.

لقد قرر في صباح اليوم التالي زيادة نصيبه في (الأخوة) التي اكتسبها بالأمس، والتي كان الحاج الإفريقي قد دفع في النتيجة ثمنها بأكمله.

هكذا وضع بعض الأوراق المالية في مغلف، ثم خرج يلتقا (أخاه) فوجده يطوف حول الكعبة. مد إليه المغلف فالتقطه بحركة آلية، ثم أكمل الشوط.

ولكن ... ها هو الحاج الإفريقي يفاجئ المهندس، وهو يمسك بالمغلف مفتوحا بأطراف أصابعه كمن يلتقط شيئا نجسا.

لقد تقدم إليه بقسماته السوداء، وشفتيه المزرقتين، وعينيه الحادتين، وقال بصوت أجش:

- أنا لا آخذ ثمنا على أخوتي لأنني لا أبيعها.

وحين كان محدثنا ينطق بهذه الكلمات، كانت رنة صوته قد بدأت تتغير من فرط التأثر، وبدا لي كأني أرى المشهد بنفسي يمر أمام عيني.

لست أدري إن كان قد رأى مني ما كنت قد رأيته منه.

<<  <   >  >>