وروى أبو داود من حديث هشيم عن يعلى بن عطاء عن أبيه: أخبرني أويس بن أبي أويس الثقفي قال: "رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - توضأ ومسح على نعليه وقدميه"(١)، فقوله (مسح على نعليه)، كقوله (مسح على خفيه).
والنعل لا تكون ساترة لمحل المسح، إلا إذا كان عليها جورب، فلعله مسح على نعل الجورب، فقال: مسح على نعليه.
المسلك السادس: أن الرِّجل لها ثلاثة أحوال:
حال تكون في الخف فيجزي مسح ساترها، وحال: تكون حافية، فيجب غسلها، فهاتان مرتبتان، وهما: كشفها وسترها، ففي حال كشفها لها أعلى مراتب الطهارة، وهى الغسل التام، وفي حال استتارها لها أدناها، وهي المسح على الحائل، ولها حالة ثالثة وهي: حالما تكون في النعل، وهي حالة متوسطة بين كشفها، وبين سترها بالخف، فأعطيت حالة متوسطة من الطهارة وهي الرش، فإنه بين الغسل والمسح، وحيث أطلق لفظ المسح عليها في هذه الحال، فالمراد به الرش، لأنه جاء مفسَّرًا في الرواية الأخرى.
وهذا مذهب كما ترى لو كان يعلم له قائل معين، ولكن يحكى عن طائفة لا أعلم منهم معيَّنًا.
وبالجملة: فهو خير من مسلك الشيعة في هذا الحديث، وهو المسلك السابع: أنه دليل على أن فرض الرجلين المسح، وحكي عن داود الجواري وابن عباس، وحكي عن ابن جرير أنه مخيَّر بين الأمرين، فأما حكايته عن ابن عباس، فقد تقدمت، وأما حكايته عن ابن جرير فغلطٌ بيِّنٌ، وهذه كتبه وتفسيره كله يكذب هذا النقل عليه، وإنما دخلت الشبهة، لأن ابن جرير القائل بهذه المقالة رجل آخر من الشيعة يوافقه في اسمه واسم أبيه، وقد رأيت له مؤلفات في أصول مذهب الشيعة وفروعهم.
(١) أخرجه أبو داود في سننه: (١/ ٤١)، والبيهقي في السنن الكبرى: (١/ ٢٨٦).