للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال ابن القيم: "فَلَوْ كان عِلْمُهُمْ أَنْ يفتي أَحَدُهُمْ بِفَتْوَى، وَتَكُونُ خَطَأً مخالفة لِحُكْمِ اللهِ وَرَسُولِهِ، وَلا يفتي غَيْرَهُ بِالْحَقِّ الذي هو حُكْمُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، إمَّا مع اشْتِهَارِ فَتْوَى الأَوَّلِ أو بدون اشتِهَارِهَا؛ كانت هذه الأُمَّةُ الْعَدْلُ الْخِيَارُ قد أَطْبَقَتْ على خِلافِ الحَقِّ، بَلْ انْقَسَمُوا قِسْمَيْنِ: قِسْمًا أَفتَى بِالْبَاطِلِ، وَقِسْمًا سَكَتَ عن الْحَقِّ، وَهَذَا من الْمُسْتَحِيلِ، فإن الْحَقَّ لا يَعْدُوهُمْ وَيَخْرُجُ عَنْهُمْ إلَى من بَعْدَهُمْ قَطْعًا، وَنَحْنُ نَقُولُ لِمَنْ خَالَفَ أَقْوَالَهُمْ: لو كان خَيْرًا ما سَبَقُونَا إلَيهِ" (١).

وقال رحمه الله: "وَإِنْ لم يُخَالِف الصَّحَابِيُّ صَحَابِيًّا آخَرَ؛ فَإِمَّا أَنْ يَشْتَهِرَ قَوْلُهُ في الصَّحَابَةِ أو لا يَشْتَهِر، فَإِن اشْتَهَرَ؛ فَاَلَّذِي عليه جَمَاهِيرُ الطَّوَائِفِ من الْفُقَهَاءِ: أنه إجْمَاعٌ وَحُجَّةٌ، وَقَالَتْ طَائِفَةٌ منهم: هو حُجَّةٌ، وَلَيْسَ بِإِجْمَاعٍ، وَقَالَتْ شِرْذِمَةٌ من الْمُتَكَلّمِينَ وَبَعْضُ الْفُقَهَاءِ الْمُتَأَخِّرِينَ: لا يَكُونُ إجْمَاعًا وَلا حُجَّةً!

وَإِنْ لم يَشْتَهِرْ قَوْلُهُ، أو لم يُعْلَمْ هل اُشْتُهِرَ، أم لا؛ فَاخْتَلَفَ الناس هل يَكُونُ حُجَّةً أم لا؟ فَاَلَّذِي عليه جُمْهور الأمة: أنه حُجَّةٌ. هذا قَوْلُ جُمْهُور الحَنَفِيَّةِ، صَرَّحَ بِهِ محمد بن الْحَسَنِ، وَذكر عن أبي حَنِيفَةَ نَصًّا، وهو مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ وَتَصَرُّفُهُ في "مُوَطَّئِهِ" دَلِيلٌ عليه، وهو قَوْلُ إِسْحَاقَ بن رَاهْوَيْه، وَأَبِي عُبَيْدٍ، وهو مَنْصوصُ الإمام أحمد في غَيْرِ مَوْضِع عنه، وَاخْتِيَارُ جُمْهُورِ أصحابه وهو مَنْصُوصُ الشَّافِعِيِّ في الْقَدِيمِ وَالْجَدِيدِ" (٢).

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:

"وأيضًا فقد ينصر المتكلمون أقوال السلف تارة، وأقوال المتكلمين تارة، كما يفعله غير واحد؛ مثل أبي المعالي الجويني، وأبي حامد الغزالي، والرازي وغيرهم، ولازم المذهب الذي ينصرونه تارة أنه هو المعتمد، فلا


(١) انظر إعلام الموقعين: (٤/ ١٣٣).
(٢) انظر إعلام الموقعين: (٤/ ١٢٠).

<<  <   >  >>