للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يثبتون على دين واحد، وتغلب عليهم الشكوك، وهذا عادة الله فيمن أعرض عن الكتاب والسنة، وتارة يجعلون إخوانهم المتأخِّربن أحذق وأعلم من السلف، ويقولون: طريقة السلف أسلم، وطريقة هؤلاء أعلم وأحكم! فيصفون إخوانهم بالفضيلة في العلم والبيان، والتحقيق، والعرفان، والسلف بالنقص في ذلك، والتقصير فيه أو الخطأ، والجهل! وغايتهم عندهم أن يقيموا أعذارهم في التقصير والتفريط.

ولا ريب أن هذا شعبة من الرفض؛ فإنه وإن لم يكن تكفيرا للسلف، كما يقوله من يقوله من الرافضة والخوارج، ولا تفسيقًا لهم كما يقوله من يقوله من المعتزلة والزيدية وغيرهم، كان تجهيلاً لهم، وتخطئةً وتضليلاً" (١).

وقال رحمه الله: "لكن قد تنفرد طائفة بالصواب عمن يناظرها من الطوائف، كأهل المذاهب الأربعة؛ قد يوجد لكل واحد منهم أقوال انفرد بها وكان الصواب الموافق للسنة معه دون الثلاثة، لكن يكون قوله قد قاله غيره من الصحابة والتابعين، وسائر علماء الأمة، بخلاف ما انفردوا به، ولم ينقل عن غيرهم، فهذا لا يكون إلا خطأ، وكذلك أهل الظاهر كل قول انفردوا به عن سائر الأمة فهو خطأ، وأما ما انفردوا به عن الأربعة وهو صواب فقد قاله غيرهم من السلف" (٢).

بل إن الإمام أحمد قد يُعَلِّلُ المرفوعَ بمخالفته للآثار عن الصحابة، ومن ذلك أنه قال: "أكثر أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم - يقولون إذا خلت -أي: المرأة- بالماء فلا يتوضأ منه، وهو أمر لا يقتضيه القياس، فالظاهر أنهم قالوه عن توقيف" (٣).


(١) انظر مجموع الفتاوى: (٤/ ١٥٧).
(٢) انظر منهاج السنة النبوية: (٥/ ١٧٨).
(٣) انظر شرح الزركشي: (١/ ٨١).

<<  <   >  >>