للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[مظاهر الفساد في حياة المتصوفة]

[- السماع والرقص]

والسماع عند الصوفية، لياليَ تعقد، فيها ينشدون ويرقصون، وفي تعرفهم أن السماع يولد حالة في القلب تسمّى بالوجد، وهذا بدوره يحرك أعضاء البدن، فإن كانت الحركات غير موزونة كانت اضطرابات، وإن كانت موزونة فحينئذ تكون تصفيقًا ورقصًا (١)، ويبدو أن نوعا من الهوى والغلبة قد سيطرا على الصوفي، فإن سمع غناء أو إيقاعا بقضيب، تواجد وصفق وربما مزَّق ثيابه ورماها (٢).

وقد أنكر عليهم جماعة من العلماء مثل هذا السلوك الشائن، وصنفوا الكتب، ووضعوا القصائد في ذم سلوكهم، فالإمام موفق الدِّين، عبد اللَّه بن أحمد بن محمد بن قُدامة المقدسي وضع رسالة في ذم ما عليه مدَّعو التصوف من الغناء والرقص والتواجد وضرب الدُّف وسماع المزامير، ورفع الأصوات المنكرة بما يسمونه ذكرًا وتهليلًا، بدعوى أنها من أنواع القرب إلى اللَّه تعالى.

وهجاهم كثيرٌ من الشعراء مثل شدَّاد بن إبراهيم الملقب بالطاهر الجزري، والعميد أبو محمد، عبد اللَّه، أحمد بن إبراهيم الزواوي الكاتب، وظهير الدِّين قاضي السَّلاميَّة ت ٦١٠ هـ = ١٢١٣ م (٣)، الذي هجا مكي شيخ زاوية الفقراء بالبوازيج، البليدة القريبة من السَّلَّامية، فقال: [المتقارب]

أَلا قُلْ لِمَكّي قَوْلَ النَّصُوحِ ... فَحقُّ النصيحة أن تُستَمَعْ

متى سمع النَّاسُ في دِينِهم ... بأَنَّ الغِنَا سُنّةٌ تُتَّبعْ؟


(١) الغزالي: إحياء علوم الدين، ٢/ ٢٣٦، ابن الجوزي: تلبيس إبليس ٢٦٧ (نقد مسلك الصوفية في الغناء والسماع، الهروردي: عوارف المعارف، باب ٢٤ "القول والسماع").
(٢) ابن الجوزي: تلبيس إبليس، ٢٤٧، ٢٥٠، ٢٦٠.
(٣) هو أبو إسحاق، إبراهيم بن نصر بن عسكر، انظر ابن خلكان: وفيات الأعيان ٧/ ٣٧ - ٣٨.

<<  <   >  >>