للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المفروضاتِ، وأكثرُها مما نُدبَ الشرعُ إلى إخفائهِ. كما في النوافل حيثُ طلبَ فِعلَها في البيتِ وأشباهِها، ولا تقولُ بظهرها ليُقيمَ البيِّنة عليْها، فإنَّه ضِدُّ المُرجَّحِ في نظرِ الشَّارعِ.

وكذَا منْ قالَ: الوقفُ على الصوفِيّةِ، يُصرفُ للفَقيرِ، يُقبَلُ قولُه، حيثُ يُقبلُ قولُ الفَقيرِ.

وأمّا على طَريقةِ الغَزالي في الزيّ والخِلطَةَ والمساكنةِ، فَهذا يظهرُ فيهِ أنَّه لا بدَّ من البيِّنَةِ، فإنَّه لا يشُقُّ ولا يَعسُرُ إقامةُ البيِّنَةِ عليهِ، وهوَ من الأفعالِ الظاهرةِ، فأُلْحِقَ بما هو في معناه.

هذا تمامُ ما لخَّصتُهُ وآخرُ ما حرَّرتُه بحسبِ علمي ومنتهى فهمي. ونختمهُ بخاتمةٍ، فأقولُ:

خاتمة:

اشتُهِرَ بين المتأَخِّرين الذينَ أدرجُوا أنفسَهُمْ في الصوفيَّةِ أنَّ طريقَهم مبايِنَةُ لطريقِ الفُقَهاءِ قولًا وفعلًا، فوقعَ بسبب ذلك تَنافرُ أوجبَ كلامَ بعضِهِمْ في بعض، ونحنُ نذكرُ من كلامِ أئمتِهمْ والقدوَةِ عندَهُم، ما يُعرِّفُكَ أنَّ التصوُّفَ اتِّباعُ السنَةِ التي الفُقَهاءُ يتَّصِفُونَ بِها, فذكرَ الأستاذُ أبو القاسم القُشيري -أحدُ شيوخهِم الأعيانِ، والمُقتَدى بهِ في هذا الشأنِ- جملةً من مقالاتِهمْ في التَّوحيدِ، وأُصولِ العقائدِ في رسالَتهِ.

وقالَ: إنَّه إنَّما ذكرَهَا ليُعْلَمَ أنَّ عقائِدَهم على وفقِ الكِتابِ والسنَّةِ، فلا نُطوِّلُ الكلامَ بِذكرِها (١). وذكرَ منْ أقوالِهم ما نذكرُ بعضَه ليكونَ حجةً عليهِم، فإنهم قُدوتُهم

وأولُ راضٍ سيرةً من سيرها [*]. فحكى أولًا عن أبي عبد اللَّه بنِ


(١) انظر الرسالة القشيرية، ١/ ٣٢ - ٥٥.

[*] قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: من شاهد مشهور لشعراء الهذليين، وهو قول خالد بن زهير لخاله أبي ذؤيب:
فَلَا تَجْزَعَنْ مِن سنّة أَنتَ سِرْتَهَا ... فَأَوَّلُ رَاضٍ سنّة مَنْ يَسِيرُهَا
يقول: أنت جعلتها سائرة في الناس [لسان العرب ٤/ ٣٩٠]

<<  <   >  >>