شهد القرن الثاني الهجري ظهور الحركة الصوفية، حين بدأ إعراضُ النَّاس عن السبيل السويّ من مراقبةِ اللَّه وخشيته وذكره في السِّرّ والعلَن والزهد في الدُّنيا. فقد هالَ جماعةَ الصالحين تكالبُ النَّاس على الدُّنيا. واستباقهم للانهماكِ في الملذّاتِ والملاهي، فانتحوا جانبًا متجهين إلى الحقِّ سبحانَه، متبتِّلينَ، يتلُونَ كتاب اللَّه، ويقومونَ الليلَ تهجدًا وتهليلًا بالسرِّ والعلَن.
وأخذَ جماعةٌ من هؤلاءِ على أَنفسهم تبيين السلوك العملي للصوفيّة، فوصف المحاسبي في كتابه "الرعاية لحقوق اللَّه تعالى" سلوك الصوفية بأسلوب علمي.
وكانت مسالك الصوفية حتَّى القرن السادس الهجري بصورة عامةٌ قريبةٌ إلى الزهد، مع ما خَالَطَها في بعض الأحيان من ابتعادٍ عن جادة الصواب.
غير أن الأحداثَ الجسامَ التي تعاقبت على الدولة الإسلامية منذ أواخر القرن السادس الهجري وأوائل القرن السابع الهجري، أَوجدت ردة فعل معاكسة، فانصرف بعضهم عن الحياة وشؤونها ومالوا إلى التواكل، وغدا الزهد في أعرافهم نوعًا من اللامبالاة يصل لدرجة الخنوع.