لقد كانت البداية حين عقد الأيوبيون العزمَ على التصدّي لتيار الفكر الشيعي إثر انهيار الدولة الفاطمية؛ إذ أنشأ الأيوبيون العديد من المدارس ودور الحديث في مصر والشام واستدعي علماء وفقهاء السُّنَّة ليقوموا بدورهم في تلك المؤسسات، فأصبحت مدن إسلامية كثيرة مثل الإسكندرية، والقاهرة، وقوص، وأسيوط، والقدس، وحلب، ودمشق، وطرابلس، مراكزَ نابضة لعلوم السنَّة والفكر السنِّي.
ثم جاءت الهجمة الصليبية الشرسة لتُضيف أعباءً أُخرى، حيث ألقت بكاهلها على صلاح الدِّين، فعمل على تثبيت عروبية وإسلامية البلاد التي كانت مطمع الغزاة الجدد، فأقام الخوانق والرُّبط والزوايا والتكايا، إضافة إلى المساجد والمدارس ودور الحديث والبيمارستانات، وكان هدف صلاح الدِّين من وراء ذلك النهوض بالشعور الديني عند المسلمين، ورفع استعدادات الأمة الإسلامية لمقاومة الأخطار التي تتهددها.
واحتل جماعة من الناس تلك الأماكن، امتهنوا الذكر وقراءة القرآن. وسلكوا السبيل القويم، وكانوا نماذج خيرة للأتقياء والعبَّاد. ولكن تلك الأماكن ما لبثت أن أصبحت ملجأً وملاذًا لكل طالبة راحة، حيث يجد فيها ضالته من الطعام واللباس والشراب دون عناء يذكر، وتلا ذلك ازدياد أعداد المنتظمين في سلك الصوفية، لا سيما بعد تضخم عدد الخانقات والرُّبط والزوايا والتكايا، ومبالغة الناس في حبس الأوقاف عليها، وتباري السلاطين والأمراء والأغنياء في تقديم الأموال والهدايا لمرتاديها. فسهلت حياة المتصوفة ونعموا بعيشة مترفة باذخة، قادت إلى تفشي البدع فيما بعد.
وإزاء ذلك فقد كثر ادّعاء التصوف، بقصد التعيش، فأمّ العديدون الخانقات، ولبسوا الصوف، وحلقوا الرؤوس، ولكنهم لم يتخلقوا بأخلاق