للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فهو مصافٍ لمولاه بالخدمة والامتثالِ والإِقبالِ على ما يُرضيهِ، والإِعراض عن ما سواه، ومصافٍ للخلقِ باطِّراحِ ما في أيديهم، وتركِ الالتفاتِ إلى ما هو محبوب عندهُم، فهوَ مصافٍ لهم، وهم مصافُونَ لَه، وهذا كما قيلَ في عصفورةِ الجنّة (١).

إنّها لمّا اجتَنبت بُرَّهم اجتَلَبَت بِرَّهم، أَو اجتنبَت حَبَّهم فاجتلبَت حُبَّهُم.

وكذلك لمّا صافُوا الخَلقَ بتركِ ما في أيديهِمْ وعدم مزاحمتِهِمْ في أغراضهم وأعراضهم صافُوهم بمحبَّتِهِم وإجلالهم وتعظيمهم وإكرامِهِمْ.

وقيلَ، نسبةً إلى صوفانة، وهي بقلةٌ تنبت بالصَّحراءِ، فنُسبُوا إليها لأنهم اجتزأُوا باليَسيرِ وبما يُلتفَتُ إليه، قانعينَ ببقلة مُجتزِئين بِها (٢).

وقيل: نسبةً إلى صوفَة، وهي قبيلةٌ كانت تجيرُ الحاجّ في الدّهرِ الأولِ، يُقالُ: أَجيري صوفَةَ (٣)، فكانُوا ساداتِ النّاس ومنقذِيهِمْ، والمقتدى


= تنازع الناس في الصوفيّ واختلفوا ... قدما وظنّوه مشتقًا من الصّوفِ
ولست أمنح هذا الاسم غير فتًى ... صافي فصوفي حتى سمّي الصوفي
(١) وردت في حياة الحيوان "عصفور الجنة" وتعني الخطاف، أوزوار الهند، وهو من الطيور التي تقطع المسافات البعيدة، رغبة في القرب من الناس، وسمي بعصفور الجنة؛ لأنه زهد بما في أيدي الناس من الأقوات، فلا يأكل البر أو الحب، وإنما يقتات بالذباب والبعوض، وقد ورد في الشعر:
كن زاهدًا فيما حوته يد الورى ... تضحي إلى كلّ الأنام حبيبا
أوّ ما ترى الخطاف حرم زادهُم ... أضحى مقيمًا في البيوت ربيبا
انظر الدميري: حياة الحيوان، ١/ ٢٩٣، الجاحظ: الحيوان، ٣/ ٣٣٢.
(٢) انظر، ابن الجوزي: تلبيس إبليس، ١٦٣ وفيه أنها بقلة رغباء قصيرة، فنسبوا إليها لاجتزائهم بنبات الصحراء".
وانظر أيضًا، الدمياطي: معجم أسماء النبات، ٨٩.
(٣) بنو صوفة: بطن من مضر من العدنانية، وهم بنو الغوث بن مر، كانوا يخدمون الكعبة =

<<  <   >  >>