فلنضع أولا مقدمتين كليتين إحداهما سالبة والأخرى موجبة، ولتكن الكبرى هي السالبة والصغرى هي الموجبة، فأقول إنها تنتج سالبة كلية. مثال ذلك كل جَ هو بَ ولا شيء من اَ هو بَ، فأقول إنه يلزم عن ذلك ولا شيء من جَ هو اَ لأنه إذا عكسنا السالبة الكلية- وهي قولنا ولا شيء من اَ هو بَ فقلنا ولاشيء من بَ هو اَ وقد كان معنا أن كل جَ هو بَ، أنتجنا في الصنف الثاني من الشكل الأول على ما تبين أنه ولا شيء من جَ اَ. ولنضع السالبة أيضا هي الصغرى والموجبة هي الكبرى، فأقول إن هذا التأليف ينتج أيضا سالبة كلية. مثال ذلك قولنا ولا شيء من جَ هو بَ وكل اَ هو بَ، فهذا ينتج أنه ولا شيء من جَ هو اَ. برهان ذلك أنا نعكس المقدمة السالبة فيكون معنا ولا شيء من بَ هو جَ، وقد كان معنا أن كل اَ هو بَ، فينتج لنا في الصنف الثاني من الشكل الأول أنه ولا شيء من اَ هو جَ، ثم نعكس هذه النتيجة فيكون معنا ولا شيء من جَ هو اَ. وهذه النتيجة بعينها كانت نتيجة القياس الأول من هذا الشكل.
وأما إذا كانت المقدمتان الكليتان موجبتين أو سالبتين معا، فإنه لا يكون عن غير ذلك قياس منتج. ومثال ذلك أنه إذا وضعنا كل جَ هو بَ وكل اَ هو بَ، فأقول إنه ليس يلزم عن ذلك أن يكون كل جَ هو اَ ولا بعض جَ هو اَ، وذلك بين من المواد التي تنتج المتضادات. فمثال الحدود التي تنتج الموجب من المواد الإنسان والجوهر والحي على أن نأخذ الجوهر هو الحد الأوسط، وذلك أن كل إنسان جوهر وكل حي جوهر، وهذا ينتج في هذه المادة أن كل إنسان حي. ومثال الحدود التي تنتج السالب من المواد الحجر والجوهر والحي، وذلك أن كل حجر جوهر وكل حي جوهر ولا حجر واحد حي.
وكذلك متى وضعنا أنه ولا شيء من جَ هو بَ ولا شيء من اَ هو بَ، فإنه يوجد هذا التأليف أيضا في المواد ينتج المتضادين معا. ومثال الحدود التي تنتج الموجب الإنسان والخط والحي، وذلك أنه ولا إنسان واحد خط ولا حي واحد خط وكل إنسان حي. ومثال الحدود التي تنتج السالب الكلي الحجر والخط والحي، وذلك أنه ولا حجر واحد خط ولا حي واحد خط ينتج ولا حجر واحد حي. فيوجد هذان التأليفان مرة ينتجان الموجب ومرة ينتجان السالب، فليسا بقياس.
فقد تبين من هذا القول إذا كانت المقدمتان كليتين متى يكون قياس في هذا الشكل ومتى لا يكون، وأن القياسات المنتجة في هذا الشكل ليست بكاملة، إذ كانت إنما يبين أنها منتجة بغيرها لا بنفسها- وهو ردها إلى الشكل الأول.
فأما إذا كانت إحدى المقدمتين في هذا الشكل كلية والأخرى جزئية، فإنه إذا كانت الكبرى كلية والصغرى جزئية وكانت إحداهما مخالفة للأخرى في الكيفية- أعني إن كانت إحداهما سالبة كانت الأخرى موجبة- فإنه يكون من ذلك قياسات منتجة. فلتكن أولا الكبرى سالبة كلية والصغرى موجبة جزئية. ومثال ذلك أن يكون بعض جَ هو بَ ولا شيء من اَ بَ. فأقول إنه من الاضطرار أن يكون بعض جَ ليس هو اَ لأنه ينعكس ولا شيء من اَ بَ فيكون معنا بعض جَ هو بَ ولاشيء من بَ اَ، فيرجع هذا إلى الشكل الأول. وقد تبين أنه يلزم في هذا الشكل أن يكون بعض جَ ليس فيه شيء من اَ. ولتكن أيضا المقدمة الكبرى الكلية الموجبة والصغرى السالبة الجزئية. مثال ذلك أن يكون بعض جَ ليس بَ وكل اَ هو بَ، فأقول إنه يلزم عنه جزئية سالبة وهي أن بعض جَ ليس هي اَ. برهان ذلك أنه إن لم يكن قولنا إن بعض جَ ليس هو اَ صادقا، فليكن الصادق نقيضه- وهو أن كل جَ هي اَ- ونضيف إليه المقدمة الثانية التي وضعنا- وهي قولنا وكل اَ بَ- فيلزم عنه في الشكل الأول أن يكون كل جَ هو بَ، وقد وضعنا أن بعض جَ ليس بَ، هذا خلف لا يمكن. وما لزم عنه الكذب فهو كذب، والكذب إنما لزم عن وضعنا أن كل جَ اَ فقولنا كل جَ اَ كذب، فنقيضه إذن صادق وهو قولنا بعض جَ ليس اَ- وذلك ما أردنا بيانه.