وأما إذا كانت المقدمة الكبرى في هذا الشكل هي الجزئية والصغرى هي الكلية وكانت احداهما مخالفة في الكيفية للثانية، فإنه لا يكون أيضا عن ذلك قياس. فلتكن أولا الكبرى جزئية سالبة والصغرى موجبة كلية. مثال ذلك أن يكون كل جَ هو بَ وبعض اَ ليس هو بَ، وبيان ذلك أنها توجد تنتج في المواد المختلفة المتضادين معا. فالحدود التي تنتج الموجب الغراب والحي والجوهر، والغراب هو الأصغر والحي هو الأوسط، فإن كل غراب حي وبعض الجوهر ليس بحي، فينتج كل غراب جوهر وهو موجب صادق. وأما الحدود التي تنتج السالب فهي الغراب والحي والأبيض، وذلك أن كل غراب حي وبعض الأبيض ليس بحي، فينتج ولا غراب واحد أبيض، وذلك صادق. وكذلك أيضا لا يكون قياس إذا كانت الكبرى موجبة جزئية والصغرى سالبة كلية. ومثال ذلك من الحروف ولا شيء من جَ هو بَ وبعض اَ هو بَ. والحدود التي تنتج الموجب في هذا التأليف هي الحجر والحي والجوهر، والحجر هو الأصغر والحي هو الأوسط، وذلك أنه ولا حجر واحد حي وبعض الجوهر حي، تكون النتيجة كل حجر جوهر. والحدود التي تنتج السالب هي العلم والحي والجوهر، والعلم هو الأصغر بحسب ترتيبنا والحي هو الأوسط، وذلك أن العلم ليس بحياة وبعض الجواهر حية، والنتيجة العلم ليس بجوهر.
فقد تبين إذا كانت المقدمة الكلية في هذا الشكل مخالفة للجزئية في كيفيتها، متى يكون قياس ومتى لا.
وأما إذا كانت الكلية والجزئية متوافقتين في الكيفية- أعني إما سالبتين معا أو موجبتين معا- فلا يكون منهما قياس البتة. فلتكن أولا سالبتين ولتكن الكلية هي المقدمة الكبرى والجزئية الصغرى. ومثال ذلك أن تكون بَ ليست في كل جَ ولا شيء من اَ هو بَ. وبرهان ذلك أن قولنا بَ ليست في كل جَ هو غير محدود، فقد تصدق معه السالبة الكلية، وقد تصدق معه الموجبة الجزئية. فإذا صدقت معه السالبة الكلية، لم يكن منتجا على ما تبين ووجدت حدود تنتج الموجبة. وإذا صدقت معها الموجبة الجزئية لم توجد حدود تنتج موجبة كلية، وذلك أنه لو وجدت حدود تنتج أن كل جَ هو اَ وقد كان معنا ولا شيء من اَ هو بَ، لقد كان يجب أن يكون ولا شيء من جَ هو بَ، فتكون الجزئية السالبة سالبة بالوضع لا بالطبع. وقد كنا فرضناها سالبة بالطبع، وهي التي تصدق معها بعض جَ هو بَ، هذا خلف لا يمكن. لكن بين أن هذا التأليف غير منتج من قبل أن تلك السالبة الجزئية غير محدودة- أعني أنها مرة تكون جزئية بالطبع ومرة بالوضع- فتكون مرة تنتج ومرة لا تنتج. وما كان مرة ينتج ومرة لا ينتج لم يعد قياسا، إذ القياس هو الذي ينتج نتيجة واحدة دائما وباضطرار. وقد يمكن أن يستعمل في هذا البيان المتقدم الذي استعمل في نظير هذا من الشكل الأول بأن يؤخذ من ذلك البعض شيء يصدق عليه محمول المطلوب وشيء يكذب عليه. مثال ذلك أن نقول بعض الأبيض ليس بحي ولا حجر واحد حي، ثم نأخذ من بعض الأبيض ما يكذب عليه الحجر- وهو الثياب البيض- وما يصدق عليه الحجر- وهو الرخام- ولكن هذا البيان قوته قوة النقل الى السالبة الصغرى الكلية. وذلك ما يظن أن أرسطو أضرب هاهنا عنه.
ولتكونا أيضا موجبتين وتكون الكلية الكبرى والجزئية الصغرى مثل أن يكون بعض جَ بَ وكل اَ بَ- فإنه أيضا لا يكون عن ذلك قياس. وذلك أنه إن صدقت مع الموجبة الجزئية الموجبة الكلية، كان ذلك غير منتج على ما تبين، ووجدت حدود تنتج الموجب فيها والسالب. وإن صدقت معها السالبة الجزئية، لم توجد هنالك حدود تنتج الموجب الكلي للسبب الذي قلناه في الذي يكون من سالبتين، لكن بين أنه غير منتج بذلك الوجه بعينه الذي تبين به ذلك.
وأما إن كانتا جميعا سالبتين وكانت المقدمة الكلية هي الصغرى والكبرى هي الجزئية- مثل أن يكون ولا شيء من جَ بَ وبعض اَ ليس بَ- فإنه لا يكون عن ذلك قياس. والحدود التي تنتج الموجب الكلي فيه هي الغراب والأبيض والحي، والغراب هو الأصغر والأبيض هو الأوسط والحد الأكبر هو الحي. والتي تنتج السالب الغراب والأبيض والحجر، والغراب هو الأصغر والأبيض الأوسط والحجر الأكبر.