فمتى لم يتحفظ بهذا في أمثال هذه المقدمات فلن يكون قياس. فإنه إذا أخذت الأحوال والملكات بدل القابل للملكات، ليس قياسا في الشكل الأول فقط بل ولا في الثلاثة الأشكال لأنه قد يقول قائل الإنسان يمكن أن يقبل الصحة والمرض ليس يمكن أن يقبل الصحة. وهذا تأليف في الشكل الثاني غير منتج إذ كان ينتج كذبا- وهو أن الإنسان ليس يمكن أن يقبل المرض. وكذلك يمكن أن لا يوجد لهذا التأليف نتيجة في الشكل الثالث. وذلك أن المرض والصحة والعلم والجهل يوجدان في شيء واحد وليس يوجد أحدهما في الثاني، وهذا تأليف الشكل الثالث. فلذلك يظن لهذه العلة أن الأشكال الثلاثة غير منتجة. والسبب في ذلك أنه أخذ بدل الموضوع للملكات والأحوال الأحوال أنفسها والملكات. ولذلك كان واجبا في أمثال هذه المقدمات أن نأخذ القابل للحال مع الحال، وحينئذ نصيره حدا موضوعا محمولا.
والحدود التي ينحل إليها القياس وبخاصة الحد الأوسط فليس ينبغي أن نطلبها أبدا من حيث يدل عليها أسم مفرد، لأن كثيرا ما يدل عليها بقول مركب وبخاصة إذا كان ذلك الحد ليس أسم مفرد. ولذلك قد يعسر أن نرد أمثال هذه الأقاويل إلى الأشكال المتقدمة، ويغلط فس ذلك فيظن أنه قد يكون قياس من غير حد أوسط. مثال ذلك قولنا إنما صار المثلث زواياه مساوية لقائمتين لأن الخارجية منه مساوية للداخلتين. فلذلك ما ينبغي أن لا يطلب الحد الأوسط في كل قياس ولا لفظا مفردا، بل أحيانا يكون قولا وأحيانا يكون لفظا مفردا.
وأيضا ليس يجب أن نطلب للحدود الموجودة في القياس إذا حمل بعضها على بعض إما على جهة السلب وإما على جهة الإيجاب نسبة واحدة من الحمل- مثل أنه إذا أخذنا أن الطرف الأكبر موجود في الأوسط والأوسط في الأخير، فإنه لي ينبغي أن يفهم من ذلك في كل موضع أن الأول صفة للأوسط والأوسط صفة للأخير وأن الأول في الأخير أيضا صفة. وكذلك متى سلبنا حدا عن حد فليس ينبغي أن يفهم منه سلبه على أنه صفة وموصوف، بل إنما ينبغي أن يفهم من ذلك واحدا من أنحاء النسب التي بها نوجب شيئا لشيء أو نسلب شيئا عن شيء أو أكثر من نحو واحد منها إن كان يوجد منها أكثر من نحو واحد من أنحاء النسب. مثال ذلك أنه يصدق قولنا للأضداد علم واحد وقولنا الأضداد علمها واحد وليس يصدق قولنا الأضداد علم واحد. وقد يتفق أن يكون الطرف الأول صفة للأوسط ولا يكون الأوسط صفة للثالث. مثال قولنا الحكمة علم والحكمة للفاضل والنتيجة أن العلم للفاضل. وقد يكون عكس هذا- أعني أن يكون الحد الأوسط صفة للأخير والأول غير صفة للأوسط مثل أنه وضعنا في كل ضد علما والخير ضد فإن النتيجة تكون إن في الخير علما. وقد يتفق أن لا يكون الأول صفة للأوسط ولا الأوسط للأخير يكون الأول صفة للأخير، وهي النتيجة. مثال ذلك أن في الخير علما والعلم له جنس، والخير جنس. وعلى هذا ينبغي أن يفهم الأمر في السلب. فإنه ليس متى سلب شيء عن شيء يدل على أن هذا هو غير هذا، بل أحيانا على أن هذا ليس لهذا أو ليس في هذا وما أشبه ذلك من ضروب النسب. مثال ذلك أنه يصدق قولنا ليس للحركة حركة ولا يصدق قولنا الحركة ليست هي حركة، وكذلك نقول الكون ليس له كون ولا نقول الكون ليس كونا. فإذا أضفنا إلى هذا أن اللذة كون، أنتج أنه ليس للذة كون لا أن اللذة ليست كونا.
وقال بالجملة وبالقول الكلي: أما الحدود الموضوعة فينبغي أن تؤخذ بالجهة التي بها تؤخذ مفردة- يريد بالرفع- لأنه بهذه الجهة يستدل على المقدمات منها. وأما المقدمات فينبغي أن تؤخذ على النحو الذي تكون به صادقة سواء كانت مرفوعة أو غير مرفوعة. فغير مرفوعة مثل قولنا العشرة ضعف الخمسة، والثوب من كتان.
والحدود الموجبة للشيء ليست تكون أبدا مفردة ولا مطلقة، بل قد تكون مركبة كما تكون مقيدة. فينبغي أن يؤخذ كل على النحو الذي هو به صادق من تركيب أو إفراد أو إطلاق أو تقييد، وكذلك الحدود المحمولة على جهة السلب.