فأما الحدود التي تكرر في المقدمات في بعض المواضع ثلاث مرات فينبغي أن تكرر مع الحد الأكبر لا مع الحد الأوسط. مثال ذلك قولنا الإنسان محسوس والمحسوس يتلف من جهة ما هو محسوس فالإنسان يتلف من جهة ما هو محسوس، فإنه إن كررنا قولنا من جهة ما هو محسوس مع الحد الأوسط فقلنا الإنسان محسوس من جهة ما هو محسوس كان ذلك كذبا. وكذلك قولنا العدل خير والخير يعلم من جهة أنه خير فالعدل يعلم من جهة أنه خير، فإن وضعناه مع الحد الأوسط فقلنا العدل خير من جهة أنه خير كان كذبا وغير مفهوم. وإنما يحتاج إلى هذا التكرير لأن به تكون المقدمة صادقة، لأنه متى قلنا إن الإنسان يتلف ولم يشترط من جهة ما هو محسوس كان كذبا.
قال: وليس وضع الحدود في مقدمات القياس الذي نتيجته مطلقة مثل وضعها في القياس الذي تنتجه مقيدة ومشترط فيها شرط ما. مثال ذلك أنه إذا بين مبين أن الخير معلوم وأنه معلوم ما بواسطة أنه موجود، فينبغي أن يبين أنه معلوم ما بأن يأخذ في بيان ذلك أنه موجود ما، لا موجود على الإطلاق أخذ في بيان ذلك أنه موجود على الإطلاق. وذلك أنه متى قلنا الخير موجود ما وذلك الموجود معلوم كانت النتيجة أن الخير معلوم ما- أي يخصه- وذلك أن ما المشددة إنما تدل على الذات الخاصية بالشيء. ومتى قلنا إن الخير موجود والموجود معلوم فإنما ينتج لنا أن الخير معلوم من جهة أنه موجود لا من جهة ما يخصه.
وينبغي أن تبدل الأسماء في الحدود إذا كانت غير واضحة بأسماء أوضح منها، وكذلك يبدل القول المركب بالقول المركب الذي هو أوضح منه إذا كان يدل عليه بقول مركب، وإذا كان الحد الذي يدل عليه بقول مركب له اسم فينبغي أن نأخذ اسمه مكان ذلك القول لأنه أسهل وأخص. مثال ذلك أنه إذا كان لا فرق بين قولنا إن المتوهم ليس جنسه المظنون وبين قولنا إن المتوهم ليس هو مظنونا، فينبغي أن يستعمل في القياس قولنا المتوهم ليس هو مظنونا بدل قولنا المتوهم ليس جنسه المظنون.
وبالجملة فينبغي أن يتحفظ بأن تكون العبارة في المقدمات على النحو الذي يكون في النتيجة- أعني أن لا يزاد في النتيجة حرف ليس يؤخذ في المقدمات ولا ينقص منها حرف قد أخذ في المقدمات. وذلك أنه إن كانت النتيجة أن اللذة هي الخير فينبغي أن يؤخذ الخير في المقدمات التي تنتج هذه النتيجة معرفا بالألف واللام. وإن كانت النتيجة أن اللذة هي خير بغير تعريف، فينبغي أن يؤخذ الخير في المقدمات على هذا النحو، لأن بونا كثيرا بين قولنا اللذة خير وقولنا اللذة هي الخير. وذلك أن القول الأول يدل على أن اللذة من الخير، والقول الثاني يدل على أن اللذة وحدها هي الخير.
وإذا أخذت الحدود محمولة بعضها على بعض فينبغي أن يتحفظ فيها بالمقول على الكل. وذلك أنه فرق كبير بين أن نقول في المقدمة الكبرى أن الذي توجد فيه الباء توجد الألف في كله وبين أن نقول إن الألف توجد في كل ما توجد فيه الباء. فإنه إذا أضفنا إلى قولنا إن الألف توجد في كل ما فيه الباء أن الباء موجودة في كل الجيم، أنتج لنا بالضرورة أن اَ موجودة في كل الجيم وأما متى أضفنا إلى قولنا أن الذي يوجد فيه الباء توجد الألف في كله أن الباء توجد في كل الجيم، لم يلزم عم ذلك أن تكون الألف موجودة في كل الجيم إذا كان الشرط إنما هو أن الشيء الذي توجد فيه الباء توجد الألف في كله، فقد يكون ذلك الشيء بعض ما توجد فيه الباء لا كله. فليس يلزم عن ذلك أن تكون الألف موجودة في كل الجيم، إذ قد يمكن أن تكون الجيم من البعض الذي يتصف بالباء ولا توجد فيه الألف. وكذلك متى كانت الكبرى سالبة- أعني أنه فرق كبير بين أن نقول إن اَ مسلوبة عن كل الشيء الذي توجد فيه الباء وبين أن نقول أن اَ مسلوبة عن كل ما فيه الباء. فهو بين أنه إذا أخذ في الحدود أن اَ مقولة على كل الشيء الذي تقال عليه الباء وأن الباء مقولة على كل الجيم، أنه ليس يلزم أن تكون اَ مقولة على كل الجيم. وإن أخذ أن الألف مقولة على كل ما يقال عليه الباء، لزم أن تكون الألف مقولة على كل الجيم.