للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فخذوه وأجركم على الله، وإما أنتم قوم تخافون من أنفسكم جبنة فبينوا ذلك، فهو أعذر لكم عند الله، فقالوا يا أسعد: أمط عنا بيدك، فوالله لا نذر هذه البيعة ولا نستقيلها، ثم قاموا إليه رجلاً رجلاً فبايعوه (١) .

أجل: (وإنه الإيمان بالله والحب فيه، والإخوة على دينه، والتناصر باسمه، ذلك كله كان يتدافع في النفوس المجتمعة في ظلام الليل بجوار مكة السادرة في غيها، يتدافع ليعلن أن أنصار الله سوف يحمون رسوله كما يحمون أعراضهم، سوف يمنعونه بأرواحهم، فلا يخلص إليه أذى وهم أحياء) (٢) .

ترى: أي صورة أعظم من هذه الصورة لهذا الولاء الصادق؟ لقد كانت بيعة على دين الله ومرضاته. وانظر إلى رد المصطفى صلى الله عليه وسلم " بل الدم الدم والهدم الهدم أنا منكم وأنتم مني أحارب من حاربتم وأسالم من سالمتم " هذه هي الصلة الحقيقية والوشيجة الصادقة لعلاقة المسلم بأخيه المسلم. لقد أصبح الدم واحداً. " أحارب من حاربتم وأسالم من سالمتم " وهكذا تنقطع علائق الدم الجاهلي والتناصر الجاهلي والولاء الجاهلي ليحل محلها الولاء الإسلامي والوقوف في الصف الإسلامي والبراءة من الكفر وأهله واعتناق الإخوه الجديدة التي أمر الله بها. إنها البديل الصالح لتلك الوشائج الجاهلية كما قال صلى الله عليه وسلم "المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً " (٣) .

وهكذا نصل إلى معرفة ما فعل الله بنبيه ودعوته ومن معه، وما هيأ لهم من النصرة والمنعة والدار التي يقام فيها حكم الله وشريعته ومنهاجه في الأرض. أرض الأنصار. أرض الذين يؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة.

فإلى صورة جديدة مشرقة للولاء في العهد المدني.


(١) مسند أحمد (٣/٣٢٢، ٣٣٩، ٣٩٤) والحاكم (٢/٦٢٤ – ٦٢٥) والبيهقي في السنن الكبرى (٩/٩) .
(٢) فقه السيرة للشيخ الغزالي (ص ١٦١) .
(٣) صحيح البخاري: كتاب الأدب (١٠/٤٤٢ ح ٦٠٢٦) وصحيح مسلم كتاب البر والصلة (ج٤/١٩٩٩ ح ٢٥٨٥) .

<<  <   >  >>