للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والجماعية، والذي يحسب (١) الإنسان بموجبه أنه هو وكل ما بيده من شيء ملك لله، ويرى أن الله هو المالك الشرعي الحقيقي له وللعالم كله، المعبود المطاع الذي له الأمر والنهي.

وأن لا ينبوع للهداية إلا هو، وتطمئن نفسه بكل شعور إلى أن الانحراف عن طاعة الله أو الاستغناء عن هدايته وإشراك غيره به في ذاته وصفاته وحقوقه وتصرفاته إن هو إلا إمعان في الضلالة من أي ناحية جاء أو في أي لون كان.

ثم إن هذا البناء - بناء الإيمان بالله - لا يمكن توطيد دعائمه إلا إذا رأى المرء في باطن أمره رأيا جازماً، وقطع على نفسه بشعور كامل وإرادة قوية أنه هو وكل ما بيده ملك لله وراجع إلى مرضاته، وقضى على ما في نفسه من مقياس للرضا والسخط وجعله مذعناً لرضاء الرب تعالى وسخطه، ونفى عن نفسه الأثرة والكبرياء، وصاغ نظرياته وأفكاره وآراءه ونزعاته ومناهج تفكيره في قالب ذلك العلم الذي قد أنزله الله تعالى في كتابه العزيز.

وخلع عن عنقه ربقة جميع أنواع الولاء الذي لا يذعن لطاعة الله.. ومكن محبة الله تعالى ومودته من سويداء قلبه، ونفى عن أعماق فؤاده كل صنم يطلبه بإجلاله وإكباره أكثر من الله تعالى وأدغم حبه وبغضه وصداقته وعداوته ورغبته ونفوره وصلحه وحربه.. الخ في مرضاة الله تعالى حيث لا ترضى نفسه إلا بما يرضى به الله، ولا تكره إلا ما يكرهه الله.. وهذه مرتبة الإيمان الحقيقية وغايته المرموقة " (٢) .

إن الوضع الذي تعيشه البشرية اليوم في جميع بقاع الأرض والذي يتوجه الضياع والخواء الروحي، وهذه الهتافات التي ترتفع من كل مكان تنادي بمنقذ ومخلص يخلصها من ذلك الهوان لأمر يشيء بأنه هو الإسلام لأنه دين الله العليم بما يصلح النفوس والخبير بجميع مكنونات الضمائر.

إن الإسلام "هو المنهج الوحيد الذي يعطي الفطرة ما يلائمها وهو الذي


(١) هكذا بالنص ولعل المراد: يحس
(٢) الأسس الأخلاقية للمودودي (ص٤٩-٥٠) الطبعة الأولى لسنة ١٩٧١ بيروت. بتصرف بسيط.

<<  <   >  >>