للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويعرف الأول: بأنه توحيد علمي خبري، والثاني بأنه: توحيد إرادي طلبي (١) .

ونظرة واحدة إلى سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم في عرضه لهذه العقيدة وتربيته الفذة لصحابته كافية في الدلالة على أن من سلك طريقاً غير طريق القرآن والسنة في عرض العقيدة فقد سلك "سبلاً" لا تلتقي مع صراط الله المستقيم.

روى الأعمش عن أبي وائل عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: كان الرجل منا إذا تعلم عشر آيات لم يجاوزهن حتى يعرف معانيهن والعمل بهن (٢) .

وقال أبو عبد الرحمن السلمي: (٣) حدثنا الذين كانوا يقرئوننا: أنهم كانوا يستقرئون من النبي صلى الله عليه وسلم فكانوا إذا تعلموا عشر آيات لم يخلفوها حتى يعملوا بما فيها من العمل، فتعلمنا القرآن والعمل جميعاً (٤) .

يقول الأستاذ سيد قطب رحمه الله:

(لقد كان تلقي صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم لهذه العقيدة أشبه ما يكون بتلقي الجندي في الميدان " الأمر اليومي" ليعمل به فور تلقيه، ولذلك لم يكن أحدهم ليستكثر منه في الجلسة الواحدة لأنه كان يحس أنه إنما يستكثر من واجبات وتكاليف يجعلها على عاتقه، فكان يكتفي بعشر آيات حتى يحفظها ويعمل بها كما جاء في حديث ابن مسعود) (٥) .

هكذا كان صدر هذه الأمة مقتصراً على كتاب الله وسنة رسوله في عقيدته. ولكن الانحراف الذي طرأ على المسائل العقدية في العصور المتأخرة سببه حركة الترجمة والانبهار بفلسفة اليونان وعلومهم. ولو كان هناك وعي وتفكير في الأشياء المترجمة لاقتصر على ترجمة العلوم البحتة كالهندسة والكيمياء والطب وغيرها من العلوم النافعة وبشرط أن تكون صياغة ترجمتها متفقة مع عقيدة المسلمين. ولكن


(١) المصدر السابق (ص٨٨) .
(٢) مقدمة الحفاظ ابن كثير لتفسيره (ج١/١٣) .
(٣) هو عبد الله بن حبيب السلمي القارىء لأبيه صحبة. روى عن مجموعة من كبار الصحابة وهو تابعي ثقة توفي سنة ٧٢ هـ وقيل ٨٥ هـ وانظر تهذيب التهذيب (ج٥/١٨٣) .
(٤) المصدر السابق (ج١/١٣) .
(٥) معالم في الطريق (ص١٥) .

<<  <   >  >>