للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويستغيثون برسول الإسلام نفسه، ولكنه صلّى الله عليه وسلم يعتذر لهم، لالتزامه مع الأعداء بعهد ولا يصح في دينه نقض العهد.

ولم يكن حرص النبي صلّى الله عليه وسلم على وفاء المسلمين بعهودهم بأقل من حرصه على الوفاء بعهوده الشخصية وإليك الحادثة الآتية: عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: وما منعني أن أشهد بدرا إلا أني خرجت أنا وأبي حسيل، قال: فأخذنا كفار قريش، قالوا: إنكم تريدون محمدا، فقلنا: ما نريده، ما نريد إلّا المدينة، فأخذوا منا عهد الله وميثاقه لننصرفنّ إلى المدينة ولا نقاتلنّ معه، فأتينا رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فأخبرناه الخبر. فقال: «انصرفا، نفي لهم بعهدهم ونستعين الله عليهم» «١» .

«ثم يمضي الإسلام في طريقه العلوي، مع الشرف والكرامة والأخلاق، فلا يبيح الغدر حتى وهو يخشى خيانة الآخرين، فلا بد أن يعلنهم بالعداوة، ويجاهرهم بالحرب، وينبذ إليهم عهدهم في وضح النهار، ولا يبيتهم بالغدر وهم منه على أمان؛ وَإِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْخائِنِينَ [الأنفال: ٥٨] «٢» . أما إذا التزم الأعداء بالعهد مع المسلمين فيجب على المسلمين الالتزام بالعهد وإتمامه إلى مداه: إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئاً وَلَمْ يُظاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَداً فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ [التوبة: ٤] . وهكذا وهكذا، صور وأمثلة كثيرة لوفاء الإسلام والمسلمين بالعهد، وفي مقدمتهم معلم الإنسانية ورسول الرحمة والسلام عليه الصلاة والسلام.

[* الإسلام يحترم مبعوثي الأعداء وحاملي رسائلهم:]

هناك ناحية أخرى مهمة، في مجال العلاقات الدولية، أولاها الإسلام عنايته، وكان للمسلمين فيها تقليد إنساني؛ تلك هي ناحية احترام المبعوثين السياسيين وحاملي رسائل الأعداء. إذ من المسلم به أن تبادل الرسل والرسائل أمر لا بد منه في أية علاقات دولية. وغني عن القول أن وجود بعثات سياسية دائمة تقيم بصفة مستمرة لكل دولة لدى الدول الآخرى أمر لم يكن معروفا في العلاقات الدولية في الزمان الذي نتحدث عنه. فذلك أمر لم تعرفه العلاقات الدولية إلا في القرون


اعتذر لأبي جندل، عند ما طلبوا حمايته مثل أبي بصير.
(١) صحيح الإمام مسلم (١٢/ ١٤٤) .
(٢) انظر سيد قطب- السلام العالمي والإسلام (ص ١٩٤) .

<<  <   >  >>