[البحث التاسع] الفتح الإسلامي لبلاد ما وراء النهر وانتشار الإسلام هناك
[* تمهيد:]
الحديث عن الفتح الإسلامي لبلاد ما وراء النهر يقتضي الإلمام- ولو بإيجاز شديد- بفكرة عامة عن طبيعة الفتح الإسلامي- وبفتح إيران- بلاد فارس- بصفة خاصة؛ لأن كتائب الفتح الإسلامي التي انطلقت لفتح بلاد ما وراء النهر، قد انطلقت من إقليم خراسان- شمال شرق إيران- الذي أصبح القاعدة الرئيسية لفتح ما وراء النهر، ولعب في فتحها الدور الذي لعبته البصرة والكوفة في فتح إيران، والدور الذي لعبته مصر في فتح المغرب العربي، والدور الذي لعبه المغرب العربي في فتح الأندلس، والفتوحات الإسلامية الكبرى، التي تمت في القرن الهجري الأول- والتي امتدت من شبه جزيرة أيبريا- الأندلس- في الغرب، إلى حدود الصين في الشرق، ومن بحر قزوين في الشمال إلى المحيط الهندي في الجنوب- هذه الفتوحات تمت على مرحلتين رئيسيتين، كل مرحلة استمرت نحو عشر سنوات، الأولى بدأت عام (١٢ هـ) في خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه، واستمرت طوال خلافة عمر بن الخطاب (١٣- ٢٣ هـ) رضي الله عنه، وخلال هذه الفترة، فتحت العراق وكل بلاد فارس والشام ومصر، بل تجاوزت الفتوحات حدود مصر غربا ووصلت إلى حدود تونس الحالية في عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه، والمرحلة الثانية، هي فترة خلافة الوليد بن عبد الملك بن مروان (من سنة ٨٦ إلى سنة ٩٦ هـ) ، وفيها استكمل المسلمون فتح شمال إفريقيا حتى المحيط الأطلسي، ثم عبروا مضيق جبل طارق وفتحوا الأندلس، وفي المشرق فتحوا أقاليم ما وراء النهر- وهو موضوع بحثنا- ثم فتحوا إقليم السند- وهو الإقليم الشمالي الغربي من شبه القارة الهندية.
والمتأمل لحركة الفتوحات الإسلامية هذه، منذ انطلاقتها الأولى- خارج شبه الجزيرة العربية- في عهد الصديق رضي الله عنه، وعبر تطوراتها وتصاعد موجاتها وحتى بلغت قمتها في عهد الوليد بن عبد الملك يلاحظ- إن كان منصفا- أنه لم يكن للمسلمين خطة أو برنامج معد سلفا للفتح خارج شبه جزيرة العرب، والصدام عسكريّا مع الآخرين؛ لأن غاية المسلمين الأولى، بل واجبهم الأساسي هو نشر الإسلام، وهذا لا يتطلب أعمالا حربية لأن الإيمان مقره القلوب، والقلوب