للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وإسهاما مني في هذه الندوة الطيبة التي تعقد في رحاب جامعة فلورنسا بإيطاليا، بالاشتراك مع جامعة الأزهر بمصر، فإني أتقدم بهذا البحث المتواضع عن زاوية من زوايا العلاقات المتنوعة بين المسلمين والبيزنطيين، زاوية لم تسلط عليها الأضواء بشكل كاف حتى الآن، وهي زاوية تبادل الوفود والهدايا بين خلفاء المسلمين والأباطرة البيزنطيين، فإن دراسة هذه الزاوية من زوايا علاقات الدولتين الكبيرتين، قد تكشف لنا عن أشياء لم تكن معروفة من قبل، وعن أن تلك العلاقات لم تكن دائما عدائية تسودها الحروب والمنازعات، بل عرفت تلك العلاقات أوقات صفاء كثيرة وحسن حوار، وجنوحا إلى السلام والتعايش السلمي، وتبادل المنافع، في شتى الميادين، العلمية والتجارية، بل والعمرانية، وليتنا على الجانبين- الإسلامي والغربي- في هذا العصر نعنى ببعث تلك الصفحات المشرقة في العلاقات الإسلامية البيزنطية، لنمحو من الأذهان فكرة أن العداء كان الطابع العام والدائم لتلك العلاقات الإسلامية البيزنطية، وحتى نهيئ للأجيال المعاصرة واللاحقة الأجواء الثقافية والنفسية للعيش معا على كوكب واحد بروح إنسانية متسامحة.

[* العلاقات الإسلامية البيزنطية في عهد النبي والخلفاء الراشدين:]

بدأت تلك العلاقات بشكل رسمي منذ أرسل الرسول صلّى الله عليه وسلم رسالة إلى الإمبراطور هرقل، في مطلع العام السابع الهجري (٦٢٨ م) ، يدعوه إلى الإسلام، وكانت دعوة سلمية؛ لا تتضمن أية إشارة إلى استخدام القوة لإجباره- هو أو غيره- على اعتناق الإسلام؛ لأن القرآن الكريم واضح في هذه القضية، ونصوصه صريحة في عدم إكراه الناس على الدخول في الإسلام، يقول الله تعالى: لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ [البقرة: ٢٥٦] وكان نص الرسالة كما ورد في أوثق المصادر الإسلامية على النحو التالي: «بسم الله الرحمن الرحيم. من محمد عبد الله ورسوله، إلى هرقل عظيم الروم، سلام على من اتبع الهدى، أما بعد: فإني أدعوك بدعاية الإسلام، أسلم تسلم، وأسلم يؤتك الله أجرك مرتين، فإن توليت فإنما عليك إثم الأريسيين «١» . قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ» «٢» .


(١) الأريسيين وجاء مكانها في روايات أخرى الأكاريين، يبدو أن المقصود منها رعايا الإمبراطور هرقل.
(٢) انظر فتح الباري بشرح صحيح البخاري (١/ ٣٢) .

<<  <   >  >>