للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لهم على سلامة منهجه، فجاءهم بالأحاديث الخاصة بغزوة أحد باتباع إفراد كل حديث بسنده فاستكثروا ذلك، وقالوا: ردّنا إلى الأمر الأول «١» .

والخلاصة، أنه مهما كان من أمر اختلاف العلماء حول الواقدي- والناس لا يختلفون عادة إلا على الأشياء الكبيرة- فقد كان واسع العلم بالمغازي والسير، كما كان عالما بالفقه والحديث والتفسير، وكان من أكبر المصادر التي عول عليها واعتمدها كبار المؤرخين، خاصة الطبري. وقد سبق أن ابن النديم عدّ للواقدي ما يقرب من أربعين كتابا في مختلف العلوم الإسلامية، أشهرها في السير والمغازي، والفتوح، كفتوح الشام، وفتوح العراق. فرحمه الله وجزاه عن العلم خير الجزاء.

[* محمد بن سعد:]

يعتبر محمد بن سعد آخر الكتاب الكبار في المغازي والسير، وهو من مواليد البصرة (سنة ١٦٨ هـ) ، وكان من الموالي؛ فاباؤه كانوا موالي للحسين بن عبد الله بن عبيد الله بن العباس بن عبد المطلب، وقد رحل ابن سعد إلى المدينة المنورة، ثم إلى بغداد، حيث اتصل بأستاذه محمد بن عمر الواقدي، وارتبط به ارتباطا وثيقا، وكان يدوّن له كتبه وأحاديثه «٢» ، ومن أجل ذلك اشتهر بأنه كاتب الواقدي، واستفاد ابن سعد من أستاذه فائدة كبرى، ومعظم كتبه التي ألفها استقاها من علمه- وليس معنى هذا أنه لم يستفد من علم غيره، فقد استفاد كثيرا من علماء آخرين سبقوا الواقدي كابن إسحاق وأبي معشر السندي، وموسى بن عقبة، وغيرهم- وكما استفاد ابن سعد من علم أستاذه، فقد كان هو نفسه صاحب فضل كبير في ترتيب علم أستاذه، وكثيرا ما كان يزيد عليه، فقد كان يكمل ما كان ينقص الواقدي من أخبار الجاهلية. وقد استعان في ذلك بعلم هشام الكلبي، الذي كان حجة في أخبار الجاهلية وقد خلف لنا ابن سعد واحدا من أهم وأشهر المصادر الإسلامية، في السير والمغازي، وأخبار الصحابة والتابعين وطبقاتهم- وهو كتاب الطبقات الكبرى، والذي وصلنا سالما- لحسن الحظ- وهو في ثمانية أجزاء، وقد خصص ابن سعد الجزأين الأول والثاني منه لسيرة رسول الله صلّى الله عليه وسلم ومغازيه والأجزاء الستة الباقية خصصها لأخبار الصحابة والصاحبيات والتابعين


(١) انظر تاريخ بغداد (٣/ ٧) ، وضحى الإسلام (٢/ ٣٣٧) .
(٢) انظر الفهرست لابن النديم (ص ١٤٥) .

<<  <   >  >>