للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[* أول رئيس للدولة الإسلامية:]

قامت الدولة الإسلامية بشكل علمي، وكان أول رئيس لها- بطبيعة الحال- هو رسول الله صلّى الله عليه وسلم كما نصت على ذلك معاهدة المدينة «١» ، وقد باشر رسول الله صلّى الله عليه وسلم هذه المهمة طوال حياته «فأقام الحدود. ونفذ القضاء، وقضى في الحقوق المدنية والجنائية، وجبى المال من مواضعه الشرعية، ووزعه على مستحقيه وفي مرافقه القانونية، وعقد المعاهدات وأعلن الحرب، وعقد الصلح، وكان في جميع ذلك مؤيدا من الله تعالى، فإذا نزلت الحادثة بالأمة ولم يرد فيها وحي من الله اجتهد فيه صلّى الله عليه وسلم وشاور أصحابه من شهد منهم من أهل العلم والرأي وكانوا تارة يجمعون على رأي فيعمل به، وتارة يختلفون فيعمل برأي بعضهم، ويترك رأي البعض الآخر مجتهدا في ترجيح رأي على رأي» «٢» .

والوقائع التي اجتهد فيها الرسول صلّى الله عليه وسلم وشاور أصحابه كثيرة، كما حدث في غزوة بدر وأحد والأحزاب، وأكثر من ذلك كان يشاور أصحابه فيمن يصلح للإمارة، كما حدث عند ما شاور أبا بكر رضي الله عنه في تولية أمير على الطائف بعد إسلام ثقيف، فأشار عليه أبو بكر بتولية عثمان بن أبي العاصي، وقال له: «يا رسول الله إني رأيت هذا الغلام فيهم من أحرصهم على التفقه في الإسلام وتعلم القرآن. فعمل رسول الله صلّى الله عليه وسلم بمشورة أبي بكر وولاه» «٣» .

ولما كان رسول الله صلّى الله عليه وسلم هو الرئيس الأعلى الذي يحكم الدولة الإسلامية التي تضم المسلمين واليهود، فقد كان يحكم بين المسلمين فيما بينهم، وقضاء رسول الله صلّى الله عليه وسلم وأحكامه بين المسلمين في الحدود وغيرها أكثر من أن يأتي عليها الحصر، ولمن شاء أن يرجع إلى كتب الحديث والفقه، ففيها تفاصيل كثيرة عن القضايا التي قضى فيها رسول الله صلّى الله عليه وسلم وقد جمع ابن القيم في كتابه «زاد المعاد» أقضية رسول الله في الجزء الثالث والرابع، فليرجع إليه كذلك من شاء.

وكان يقضي صلّى الله عليه وسلم بين المسلمين واليهود، ومن صور قضائه بينهم ما يرويه مسلم في صحيحه، عن سهل بن أبي حثمة ورافع بن خديج: أن عبد الله بن سهل بن زيد


(١) سيرة ابن هشام (٢/ ١٢٣) .
(٢) صادق عرجون- المصدر السابق (ص ٥٤) .
(٣) الطبري (٣/ ٩٩) .

<<  <   >  >>