للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قطع النهر تلقاه تيش الأعور ملك الصغانيان بهدايا ومفتاح من ذهب فدعاه إلى بلاده، وأتى ملك كفتان بهدايا وأموال، ودعاه- أيضا- إلى بلاده، فمضى مع تيش إلى الصغانيان فسلمه بلاده، ثم جاء غستاسبان ملك أخرون وشومان، وهما من طخارستان، فصالحه على فدية أدّاها إليه فقبلها قتيبة ورضي ثم انصرف إلى مرو، واستخلف على الجند أخاه صالح بن مسلم. يفهم من رواية الطبري والبلاذري كليهما أنه أصبح لقتيبة هيبة عظيمة في تلك البلاد وأن طخارستان خضعت له دون قتال، وأن ملوك وأمراء بلاد ما وراء النهر هرعوا إليه يقدمون الهدايا وفروض الطاعة ويدعونه إلى بلادهم ويسلمونها إليه، ولكن الطبري نفسه يروي رواية أخرى- وإن كانت بصيغة المبني للمجهول- يفهم منها أن قتيبة لقي حربا، فهو يقول: «وقيل:

إن قتيبة أقام قبل أن يقطع النهر في هذه السنة- (٨٦ هـ) - على بلخ؛ لأن بعضها كان منتقضا عليه فحارب أهلها، ثم إن أهل بلخ صالحوا من غد اليوم الذي حاربهم فيه قتيبة» «١» ، وعلى كل حال لا يبدو الخلاف كبيرا بين الروايتين؛ لأن أهل بلخ لم يكونوا ملحّين في حربهم قتيبة، بدليل أنهم صالحوه من غد اليوم الذي حاربوا فيه، والنتيجة أن طخارستان خضعت طوعا، أو صلحا بعد قتال يسير، وأن قتيبة اطمأن إلى أوضاعها، وبدأ يتأهب لبدأ جهاده الكبير فيما وراء النهر.

المرحلة الثانية (٨٧- ٩٠ هـ) :

بدأ قتيبة أولى خطواته لفتح ما وراء النهر سنة (٨٧ هـ) «٢» ، فعبر النهر واتجه إلى مدينة بيكند- وهي أدنى مدائن بخارى إلى النهر- والتي كان المسلمون قد غزوها مرارا كثيرة- قبل قتيبة- فلما نزل بغفوتهم- على حد تعبير الطبري- استنصروا الصغد، واستنجدوا من حولهم، فأتوهم في جمع كثير وأخذوا بالطريق، فلم ينفذ لقتيبة رسول، ولم يصل إليه رسول، ولم يجر له خبر شهرين، وأبطأ خبره على الحجاج، فأشفق الحجاج على الجند، فأمر الناس بالدعاء لهم في المساجد، وكتب بذلك إلى الأمصار، وهم يقتتلون كل يوم، فكانت بين الناس مشاولة- القتال بالرماح- ثم تزاحفوا والتقوا، وأخذت السيوف مأخذها وأنزل الله على المسلمين الصبر فقاتلوهم حتى زالت الشمس، ثم منح الله المسلمين أكتافهم فانهزموا يريدون المدينة، واتبعهم المسلمون فشغلوهم عن الدخول، فتفرقوا وركبهم المسلمون قتلا


(١) الطبري (٦/ ٤٢٥) .
(٢) أبو سعيد الكرديزي، زين الأخبار (١/ ١٧٩) .

<<  <   >  >>