وكل ما كان يطلبه المسلمون من الآخرين- خاصة جيرانهم الفرس والروم- أن يفسحوا لهم الطريق، ليدعوا الناس إلى دينهم- بدن عوائق وموانع- بالحكمة والموعظة الحسنة كما أمرهم ربهم، ولكن الفرس والروم أبوا ذلك، وحملوا المسلمين حملا على حمل السيف واللجوء إلى القوة لإزاحتهم من طريق الدعوة، فالحروب الإسلامية لم تكن لنشر الإسلام وإنما كانت لتحقيق الحرية لنشر الإسلام، ولو كانت الحروب لنشر الإسلام، وحمل الناس على اعتناقه بالقوة؛ لما بقي فرد واحد غير مسلم في كل بقاع الأرض التي وصلتها الجيوش الإسلامية، ولكن هذا لم يحدث وبقي أناس كثيرون غير مسلمين- وإلى الآن- في تلك البلاد وهذا دليل على أن الحروب لم تكن لنشر الإسلام وإنما لحماية الدعوة من الطغاة المتجبرين.
والذي يتأمل سياسة الرسول صلّى الله عليه وسلم في هذا المجال يجدها قائمة على تأمين شبه الجزيرة العربية، قاعدة الإسلام ومرتكزه ومنطقه- من أي عدوان خارجي- انظر على سبيل المثال أهداف غزوة مؤتة وتبوك وبعث أسامة بن زيد- ثم دعوة الناس خارج شبه جزيرة العرب إلى الإسلام بالحسنى والكلمة الطيبة، وتمثل ذلك في الرسائل التي أرسلها- صلوات الله وسلامه عليه- إلى الملوك والأباطرة والأمراء ومنهم كسرى أيزويز الثاني- ملك الفرس- وكانت كلها رسائل سلمية ولم ترد فيها كلمة واحدة عن الحرب أو التهديد بها.
[* المسلمون والفرس:]
تجمع المصادر على أن كسرى أيزويز الثاني مزّق رسالة النبي- علوّا واستكبارا- بل طلب من باذان نائبه على حكم اليمن أن يقبض له على النبي ليقتله، عقابا له على جرأته، ومخاطبة ملك الملوك ودعوته إلى الإيمان بالله ورسوله، والنبي لم يزد عند سماعه بذلك على أن قال:«مزّق الله ملكه»«١» .
لا يشك عاقل في أن هذا الموقف من جانب ملك فارس عدائي للغاية، وسوف يتطور ويتصاعد العداء أكثر وأكثر، وتجلى ذلك في موقف الفرس من حروب الردة، وتحريضهم للقبائل العربية الخاضعة لنفوذهم في منطقة الخليج على الردة والتمرد على