للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

النبي صلّى الله عليه وسلم مثلا رائعا في العفو والتسامح والإنسانية، فقد كان قادرا على إبادتهم نهائيّا ومحوهم من الوجود. ولكنه لم يأت ليدمر ويبيد الناس، وإنما جاء هاديا ورحمة للعالمين، ومعلما للدنيا كلها. ولم يكن ليهدف إلا لإزالة العقبات من أمام الدعوة الإسلامية حتى تشق طريقها للناس في حرية وأمان. فقبل مصالحتهم وأبقاهم في أرضهم وديارهم، ولم يصنع أحد قبل النبي صلّى الله عليه وسلم، ولا بعده مثل هذا الصنيع مع عدو ماكر خبيث، فلو أن أي قائد آخر وقف مثل هذا الموقف، لما كنا ننتظر منه سوى القضاء عليهم قضاء تامّا، ولكنه الرحمة المهداة للبشرية كلها. انتهى أمر اليهود في خيبر على هذا النحو، كما انتهى أمر اليهود الآخرين في المستعمرات اليهودية القريبة الآخرى في فدك وتيماء ووادي القرى على نحو مشابه وخضعوا لمثل ما خضع له يهود خيبر «١» ، ولكنهم دائما تحت المراقبة الحذرة من جانب المسلمين.

[* اتصال المسلمين بالروم:]

في بداية العام السابع للهجرة، بدأت تتهيأ للرسول صلّى الله عليه وسلم الفرصة للخروج بالدعوة الإسلامية خارج شبه الجزيرة العربية. فبمعاهدة الحديبية أمن جانب قريش، وبفتح خيبر أخضع اليهود لسلطانه، ولم يعد يخشاهم، وفكر في الدعوة والعالم.. فقام بإيفاد مبعوثيه إلى معظم زعماء العالم المعروف يومئذ، يحملون رسائله التي يعرض عليهم فيها الإسلام، والدخول في دين الله الحق.

فأرسل إلى كسرى فارس، وإمبراطور الروم، ونجاشي الحبشة، وإلى المقوقس في مصر، وإلى أمراء العرب في شمال وجنوب وشرق شبه الجزيرة العربية «٢» . والذي يهمنا هنا ونحن بصدد العلاقات بين المسلمين والروم هو أمر رسالته إلى هرقل- إمبراطور الروم- تلك الرسالة التي تعتبر أول اتصال رسمي بين الإسلام والعالم المسيحي، وأن هذه الرسالة وما ترتب عليها من آثار أو أعقبها من نتائج أثرت ولا تزال تؤثر في تاريخ العالم. فإن الروم الذين كانوا يمثلون العالم المسيحي يومئذ، لم


(١) ابن الأثير- الكامل (٢/ ٢٢٢) .
(٢) انظر في موضوع رسائل النبي إلى الملوك والأمراء المصادر الآتية: ابن حجر- فتح الباري بشرح صحيح البخاري (١/ ٣٢) وما بعدها. وصحيح مسلم بشرح النووي (١٢/ ١٠٧) ، وتاريخ اليعقوبي (٢/ ٧٧) . ابن الأثير- الكامل (٢/ ١٤٥) . ومحمد حميد الله- مجموعة الوثائق السياسية (ص ٨١) وما بعدها. وأحمد زكي صفوت- جمهرة رسائل العرب (١/ ٣٢) وما بعدها. ود. هيكل- حياة محمد (ص ٣٨٣) وما بعدها.

<<  <   >  >>