والموالاة، وفي النهاية تغلب العرب وأصبح زمام الأمر بأيديهم، غير أن نقطة الضعف الرئيسة في موقف عرب يثرب من الأوس والخزرج هي التنافس والعصبية فيما بينهم، وكانت تلك هي فرصة اليهود- غالبا- الذين كانوا يحرشون بينهم ويذكون روح العصبية والتنافس حتى يصل الأمر إلى الحروب وسفك الدماء بين الإخوة، وظهر الإسلام والأمر على تلك الحال، وكانت آخر الحروب بين الأوس والخزرج، هي حرب بعاث التي وقعت قبيل الهجرة بقليل.
[* صدى الدعوة في يثرب:]
كان من الطبيعي أن ينتشر أمر الدعوة، وبصفة خاصة بعد أن جهر بها رسول الله صلّى الله عليه وسلم بين العرب عامة؛ لأنه ما إن جهر بها حتى أصبحت حديث مكة كلها. وأمر خطير كهذا لا بد أن يتردد صداه في كل بلاد العرب؛ لأنه ما من قبيلة من قبائل العرب بعدت ديارها عن مكة أو قربت، إلا كان يأتي بعض رجالها إلى مكة في موسم الحج، ومكة بلد تجاري، لها ارتباطات تجارية كانت تتعدى حدود بلاد العرب نفسها، فإليها يفد الناس لشتى الأغراض، ومنها تخرج الوفود والقوافل التجارية ومن ثم يمكن القول: إن أخبار مكة تصل إلى جميع بلاد العرب، بل خارج بلاد العرب. وكان من عادة العرب أن يجتمعوا في الموسم، كما كانوا قبل الموسم وبعده يجتمعون في الأسواق العربية الشهيرة مثل عكاظ ومجنة وذي المجاز- القريبة من مكة- والتي كانت تعتبر فوق غرضها التجاري منتديات أدبية وسياسية لتبادل المعلومات والأخبار عن أحوال العرب. وكان من الطبيعي أن يكون أمر رسول الله صلّى الله عليه وسلم ودعوته على رأس الموضوعات التي يدور حولها الجدل والنقاش وتبادل الأفكار والآراء، وتعود وفود العرب بعد الموسم إلى ديارها فيكون خبر الرسول صلّى الله عليه وسلم والرسالة أهم الأخبار التي يعودون بها.
وكان من الطبيعي كذلك أن تكون يثرب من أوائل المدن العربية التي يتردد فيها صدى دعوة النبي صلّى الله عليه وسلم، ويكون له دوي يختلف عن دويه في غيرها من المناطق؛ ذلك لأن لأهل يثرب علما مسبقا بها، مما كانوا يسمعونه من مواطنيهم اليهود الذين كانوا يعلمون ذلك من كتبهم المقدسة، يقول ابن إسحاق: «فلما انتشر أمر رسول الله صلّى الله عليه وسلم في العرب وبلغ البلدان، ذكر بالمدينة، ولم يكن حي من العرب أعلم بأمر رسول الله صلّى الله عليه وسلم حين ذكر وقبل أن يذكر، من هذا الحي من الأوس والخزرج، وذلك لما كانوا يسمعون