للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بل يروى أن زوجها نفسه- عبد الله بن أبي بكر- هو الذي طلب منها أن تحدّث ابن إسحاق وقال لها: «حدثي محمدا ما سمعت من عمرة بنت عبد الرحمن» فقالت له- أي لابن إسحاق- «سمعت عمرة تقول: سمعت عائشة تقول ... إلى آخر الحديث» فرواية ابن إسحاق إذا عن فاطمة بنت المنذر- زوج هشام بن عروة- ليست حدثا فريدا نادر الوقوع، بل هو أمر مألوف في تراثنا الإسلامي ولا غبار عليه.

وفوق ذلك فإن فارق السن بين فاطمة بنت المنذر وبين تلميذها ابن إسحاق كبير وينتفي معه أي سبب للغيرة- التي هي شيء طبيعي في طبائع الناس لو كان لها ما يبررها- فقد ولدت فاطمة- زوج هشام- (عام ٤٨ هـ) ، وأما ابن إسحاق فقد ولد (عام ٨٥ هـ) كما سبق ذكره؛ فهي تكبره بسبع وثلاثين سنة.

[* مكانة ابن إسحاق العلمية:]

سبق الحديث عن مكانة ابن إسحاق العلمية وإمامته في علم المغازي والسير ولا يكاد يوجد خلاف- بل هناك إجماع- على أنه إمام ورائد في ذلك الفن، وكتابه في سيرة الرسول صلّى الله عليه وسلم عمدة في ذلك العلم الجليل، وعليه اعتمد ومنه أخذ ونهل كل من كتب بعده في سيرة الرسول ومغازيه، وإليك آراء العلماء في مكانة ابن إسحاق، ودرجة الثقة به في الحديث الشريف عن رجال الجرح والتعديل.

فمن المعلوم أن العلماء- خاصة رجال الجرح والتعديل أو من يسمّون بعلماء الرجال- يتشددون للغاية في الحكم على الرجال الذين يأخذون عنهم الحديث، أكثر من تشددهم في الحكم على رجال المغازي والسير ورواة التاريخ والأخبار؛ وذلك لأن الحديث الشريف هو المصدر الثاني من مصادر الشريعة الإسلامية- بعد القرآن الكريم- وينبني عليه معرفة الحلال والحرام، وأحكام العبادات والمعاملات.

لذلك وضع علماء الجرح والتعديل شروطا قاسية لرجال السند- سند الحديث- وهم سلسلة الرواة، وليس هنا مكان تفصيل ذلك.

ورغم كل ذلك فإن معظم علماء الحديث يكادون يجمعون على توثيق حديث ابن إسحاق، فقد سئل يحيى بن معين- وهو من هو في علم الرجال- فقال:

«كان ثقة حسن الحديث» «١» . وقال شعبة بن الحجاج: «محمد بن إسحاق أمير المؤمنين في الحديث» ، وقال: «لو سوّد أحد في الحديث لسوّد ابن إسحاق» «٢» .


(١) راجع في كل ذلك: تاريخ بغداد (١/ ٢١٨، ٢٢٩) .
(٢) راجع في كل ذلك: تاريخ بغداد (١/ ٢١٨، ٢٢٩) .

<<  <   >  >>