هذا هو ببساطة معنى عالمية الإسلام، كما نفهمها نحن المسلمين، وواجبنا أن ندعو الناس إلى اعتناق ديننا؛ لأنه دين الله الحق، وسبيلنا إلى ذلك هو الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة، كما علمنا القرآن الكريم، ورسولنا العظيم، ولسنا نرى أن السبيل إلى ذلك هو القوة والسيف، كما يزعم أعداء الإسلام من المستشرقين وغيرهم.
وسوف نرجئ مناقشة مزاعم المستشرقين وغيرهم من أعداء الإسلام، وشبهاتهم التي أثاروها حول انتشار الإسلام بالقوة إلى نهاية البحث، بعد أن نوضح موقف الإسلام- دولة وشريعة- من قضايا السلام والحرب، والقانون الدولي وغير ذلك من الموضوعات التي سيتناولها البحث، فعندئذ قد تكون الصورة أوضح ويكون القارئ الكريم قد أخذ فكرة أشمل عن الموضوع.
[* السلام أساس العلاقات الدولية في الإسلام:]
السلام والإسلام مشتقان من مادة واحدة، والسلام اسم من أسماء الحق سبحانه وتعالى، والجنة اسمها دار السلام، وتحية الملائكة للمؤمنين في الجنة حين يلقونهم هي السلام، وتحية أهل الجنة في الجنة هي السلام، وتحية المسلم للمسلم حين يتلاقيان هي السلام، والسلام والإسلام يلتقيان في توفير الأمن والطمأنينة والسكينة للنفوس المؤمنة.
والإسلام دين الرحمة والعدل والسلام، ورسول الإسلام هو رسول الرحمة والسلام، أرسله ربه رحمة للعالمين، وجعله بالمؤمنين رؤوفا رحيما.
لذلك كان طبيعيّا أن ينادي الإسلام بالسلام، وكان طبيعيّا كذلك أن ينطلق في صياغة علاقاته الدولية مع الأمم الآخرى من مبدأ السلام. ونقصد بالعلاقات الدولية في دولة الإسلام في عهد النبي صلّى الله عليه وسلم تلك العلاقات التي نشأت بين الأمة الإسلامية وبين أية مجموعة أخرى غير مسلمة، أنّى كان موقعها وموقفها.
ولذلك تعتبر علاقات النبي صلّى الله عليه وسلم مع قريش- قبل فتح مكة- من هذا الباب؛ لأن قريشا كانت حينئذ مشركة ومعادية للإسلام، شنت عليه حربا شعواء استمرت ما يقرب من عشرين عاما. والأسس التي قامت عليها علاقات النبي صلّى الله عليه وسلم مع قريش- قبل فتح مكة- هي تقريبا نفس الأسس التي قامت عليها علاقات المسلمين الدولية مع الفرس والروم وغيرهم. وكانت علاقة المسلمين الدولية بغيرهم تقوم على تقديم السلام من جانب المسلمين واعتباره الأصل في العلاقات الدولية، واعتبار الحرب ضرورة لا يلجأ إليها إلا عند مقتضياتها، ويجب حصرها في نطاق هذه