للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بحيث تقلّل من تلاطم أمواج البحر على الشاطئ، وقد اتصلت تلك الجزيرة بمدينة الإسكندرية منذ نشأتها بجسر عظيم أتاح لها مرسى آمنا للسفن حين تعصف الأنواء بمياه البحر «١» .

ومنذ أتم العرب فتح مصر أصبحت الإسكندرية موضع اهتمامهم، وأقاموا فيها أكبر قاعدة بحرية على الشاطئ الجنوبي للبحر الأبيض المتوسط.

[* دور صناعة السفن في رشيد ودمياط وتنيس:]

رشيد مدينة مصرية قديمة تقع على مصب النيل الغربي وهو الفرع المعروف باسمها؛ فرع رشيد، والذي يلتقي فيه النيل بالبحر الأبيض المتوسط، وعن طريقه تصل السفن القادمة من البحر إلى النيل والعكس، وبعد الفتح الإسلامي لمصر أصبحت رشيد أحد المراكز البحرية المهمة، وكان يديرها موظف مسيحي، كما كان الحال في الإسكندرية.

وتمدنا أوراق البردي العربية بمعلومات وفيرة عن دار صناعة السفن في رشيد، وعن دورها في الجهاد البحري، وتشير إحدى البرديات إلى الإمدادات المطلوبة للمقاتلين على السفن، وتوضح أثمان السلع المرسلة إلى حاكمها المسيحي بافنتوثيوس

PAPHNTUTHISandcamelikeAnd Z٢z.

أما دمياط فتقع على مصب الفرع الشرقي للنيل والمنسوب إليها، وأوراق البردي حافلة بالمعلومات عن دار صناعة السفن إليها في العصر الإسلامي، وتشير إحدى تلك البرديات إلى كمية الإمدادات والمواد التموينية من الدقيق والخبز والبقول والزيت والخل والملح، اللازمة لعشرين بحّارا من العاملين بالأسطول الهجومي للشرق، والمرابط في دمياط «٣» .

وقد اهتم الخلفاء المسلمون بدمياط ودار صناعتها اهتماما كبيرا، وأولوها عناية فائقة؛ لأنها كانت معرضة دائما لهجمات الأساطيل البيزنطية.

يقول المقريزي عن دمياط «٤» : «إنها ظلت بيد المسلمين منذ الفتح الأول على يد عمرو بن العاص، إلى أن نزل عليها الروم سنة تسعين من الهجرة، فأسروا خالد


(١) د. إبراهيم العدوي- الأساطيل العربية (ص ١٣٥) .
(٢) تاريخ البحرية المصرية (ص ٣٤٤) .
(٣) المرجع السابق (ص ٣٤٤) .
بمساعدة من بقي فيها من الروم، الذين أبقاهم المسلمون ومنحوهم الحرية والأمان، ولكنهم لم يحفطوا هذا كله، بل غدروا وتعاونوا مع الأسطول البيزنطي، وسهلوا له الاستيلاء على الإسكندرية، ولم يقنع قائد الأسطول البيزنطي مانويل بالاستيلاء على الإسكندرية، بل سار بقواته جنوبا إلى حصن بابليون لاستعادة مصر كلها. الأمر الذي جعل الخليفة عثمان بن عفان يعهد إلى عمرو بن العاص- فاتح مصر والذي كان قد طلب إعفاءه من ولايتها- بمهمة طرد الروم منها ثانية.
ولم يتردد القائد الكبير والفاتح العظيم في القيام بواجبه، وقد نجح في طرد الروم من مصر كلها مرة أخرى وإلى الأبد «١» .
هذه الحادثة قوت عزيمة المسلمين وأقنعتهم بضرورة الإسراع في بناء قوتهم البحرية الذاتية، وأكدت أن معاوية بن أبي سفيان كان على حق، وكان رجلا بعيد النظر حين فكّر في بناء الأساطيل البحرية الإسلامية، وإصراره على تنفيذ مشروعه، مهما كانت العقبات والمعارضات.
كانت الإسكندرية إذن من أوائل الموانئ المصرية التي أحيا فيها العرب الفاتحون صناعة بناء السفن، ولم تصبح مركزا من أهم مراكز صناعة السفن الحربية فحسب، بل أصبحت قاعدة لانطلاق الأساطيل المصرية في العصر الإسلامي لغزو بلاد الروم نفسها. ولم تكن تمد الأسطول المصري وحده بالسفن اللازمة، بل كانت تبني فيها السفن اللازمة للأسطول الشامي، بناء على طلب معاوية بن أبي سفيان «٢» الذي أصبح خليفة منذ سنة (٤١ هـ/ ٦٦٠ م) وأصبح صاحب القرار، وليس في حاجة إلى استئذان أحد، ومن هنا كانت انطلاقة المسلمين البحرية.
ويتضح من أوراق البردي العربية، والتي اكتشفت بالصدفة في كوم شقاو- أفروديتو- من أعمال محافظة أسيوط، يتضح من هذه الأوراق أن الإسكندرية

<<  <   >  >>