إدارة الدولة، أو بمعنى آخر جهاز الحكم الذي كان رسول الله صلّى الله عليه وسلم يدير الدولة الإسلامية من خلاله؛ لأن الإدارة بمفهومها الحديث المعقد وتنوع أجهزتها واختصاصاتها هي من مستحدثات العصور الحديثة، وهي كعلم له قواعده وأصوله المقررة لم تعرف تقريبا على نطاق واسع في العالم إلا بعد قيام الثورة الصناعية في أوربا في القرن الثامن عشر، تلك الثورة التي أحدثت تحولا هائلا وخطيرا في الإنتاج الصناعي، بل وفي تاريخ العالم كله، وعلاقات دوله وشعوبه. وكان من الطبيعي أن تؤدي الثورة الصناعية إلى قيام الشركات والمؤسسات الصناعية الضخمة التي أصبحت تضم أعدادا هائلة من العاملين، سواء في الإنتاج أو تسويقه، وكان من الطبيعي أن يؤدي هذا الواقع الجديد في ميدان الإنتاج الصناعي إلى ضرورة التفكير في كيفية إدارة هذه المؤسسات العملاقة إدارة تضمن انتظام العمل في مختلف جوانبه، وهنا بدأت تظهر نواة علوم الإدارة الحديثة وقواعدها، وبدأت تنشأ المؤسسات العلمية لتعليم «أصول الإدارة» .
أما في العصور الوسطى- التي ظهر فيها الإسلام- فلم يكن فيها شيء من هذا، فلم تكن هناك مؤسسات صناعية كبرى، ولم يكن هناك معاهد لتعليم الإدارة، وإنما كانت الإدارة في ذلك الوقت موهبة شخصية أكثر منها علم، فكانت في جملتها إدارة حكومية. وكان رجال الإدارة البارزون يكتسبون الخبرة الإدارية في المجال العملي في ميادين العمل المختلفة. إذن فالإدارة التي نحن بصدد الحديث عنها هي إدارة الدولة الإسلامية التي أسسها رسول الله صلّى الله عليه وسلم في المدينة المنورة بعد الهجرة.
[* طبيعة الدعوة الإسلامية:]
ولما كانت الدولة الإسلامية قد قامت على أساس الرسالة الإسلامية فينبغي أن نقول كلمة عن طبيعة الدعوة الإسلامية؛ لأن ذلك يعيننا على فهم طبيعة الدولة الإسلامية، وفهم أهدافها العليا.
فالرسالة الإسلامية من حيث طبيعتها رسالة عالمية، أي: لم تأت لفريق دون فريق