تفاصيله ودقائقه- كما اعتنت الأمة الإسلامية؛ وذلك لسببين رئيسيين:
الأول: أن هذه الحياة حياة مثالية في جميع جوانبها ومستوياتها ودراستها متعة روحية وذهنية؛ لأن الإنسان يبحث دائما عن المثل الأعلى والقدوة الحسنة، لعل الله يهديه إلى أقوم طريق وأفضل سلوك، وليس هناك حياة وسيرة يمكن أن يتعلم منها الناس أعظم من حياة وسيرة النبي صلّى الله عليه وسلم وصدق الله تعالى إذ يأمرنا بالاقتداء به فيقول: لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ [الأحزاب: ٢١] .
الثاني: أن حياة وسيرة الرسول كانت موضع اهتمام الأمة وعنايتها بأحاديثه وأفعاله ومغازيه وأيامه، وتكاد تكون كل كلمة تلفظ بها الرسول، وكل حركة وكل فعل مرصودة من المسلمين، ويحفظونها عن ظهر قلب، ومدونة في صدورهم قبل أن تدون في الكتب عند بدء حركة التدوين مع نهاية القرن الأول الهجري وبداية القرن الثاني.
[* بداية التأليف في السيرة النبوية:]
من سنن الله الكونية أن كل شيء يخضع للتدرج في النشأة والتكوين، يتساوى في ذلك الإنسان والحيوان، والأفكار والعلوم والفنون، فلا شيء يخلق كاملا، أو ينشأ ناضجا مستوي التكوين، وإنما يمر بمراحل زمنية متتابعة، حتى يصل إلى نضجه واستوائه وكماله، وسيرة الرسول صلّى الله عليه وسلم لم تشذ عن تلك القاعدة ولم تخرج عن ذلك الناموس، فنحن نعلم أن سيرة الرسول لم تدون في حياته، أعني أنه لم يكن من بين الكتّاب الذين كانوا يكتبون للرسول صلّى الله عليه وسلم الوحي وغيره- وهم كثيرون- من تخصص في تسجيل أحداث حياته صلّى الله عليه وسلم الخاصة والعامة، واستمر الحال على ذلك طوال خلافة الخلفاء الراشدين الأربعة (١١- ٤٠ هـ) ويبدو أنه كان لذلك أسباب كثيرة من أهمها أن الرجال الذين عاصروا الرسول صلّى الله عليه وسلم وهم صحابته- رضوان الله عليهم جميعا- لم يكونوا في حاجة إلى تسجيل تلك الأحداث، فهم قد عايشوها وانفعلوا بها وتفاعلوا معها بدرجة لم يسبق لها مثيل في تاريخ الرسالات والدعوات الدينية؛ فكل مشهد منطبع في ذاكرتهم، وكل كلمة نطق بها الرسول حفظوها، وكل عمل من أعماله معروف لديهم تمام المعرفة وبكل التفاصيل، هذا مع ما امتازوا به من قوة الحافظة وسرعة البديهة. لم تكن الحاجة إذن تدعو لتدوين أحداث الرسول وسيرته؛ لاستغنائهم بالمشاهدة والحفظ ولا نشغالهم بالغزوات والفتوحات،