للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

في عالم العصور الوسطى؛ لأنها أسست على أرقى المبادئ الأخلاقية والمثل العليا، وناهيك بدولة تقوم على أساس عقيدة وشريعة إلهية.

[* الإسلام دين عالمي:]

الإسلام هو خاتمة رسالات الله سبحانه وتعالى إلى البشرية كلها، فليس بعد القرآن الكريم كتاب سماوي، وليس بعد محمد صلّى الله عليه وسلم رسول؛ يقول تعالى: ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ وَلكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ ... [الأحزاب: ٤٠] . ولقد صور النبي صلّى الله عليه وسلم موقع رسالة الإسلام من رسالات السماء على الوجه الآتي: «إن مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل رجل بنى بيتا فأحسنه وأجمله إلا موضع لبنة من زاوية، فجعل الناس يطوفون به ويعجبون له، ويقولون: هلّا وضعت هذه اللبنة؟» قال: «فأنا اللبنة» «١» .

والإسلام هو دين الله الحق؛ إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ [آل عمران: ١٩] . وهو الدين الذي هتفت به ألسنة الأنبياء جميعا- عليهم الصلاة والسلام- من لدن نوح إلى عيسى ابن مريم؛ فنوح قال: وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ [يونس: ٧٢] ، وإبراهيم عليه السّلام يقول: أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ [البقرة: ١٣١] ، ويعقوب يوصي بنيه قائلا: يا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [البقرة: ١٣٢] ، ويوسف يناجي ربه قائلا: أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ [يوسف: ١٠١] ، وموسى يقول لقومه: يا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ [يونس: ٨٤] ، والحواريون يجيبون المسيح قائلين: نَحْنُ أَنْصارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ [آل عمران: ٥٢] . وهكذا، فما من نبي إلا ولهج لسانه بكلمة الإسلام الخالدة؛ لأن مهمتهم واحدة وأساس دعوتهم واحد؛ شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ ... [الشورى: ١٣] .

وإذا كان الأمر كذلك؛ فلماذا كانت رسالات الأنبياء السابقين محدودة الزمان والمكان والبيئة، وكانت رسالة خاتمهم محمد- عليه الصلاة والسلام- عامة لكل الجنس البشري في كل زمان ومكان؟ أما كون رسالات الأنبياء السابقين كانت محدودة الزمان والمكان والبيئة؛ فهذه حقيقة تاريخية. فنوح وهود وصالح وإبراهيم


(١) ابن حجر العسقلاني- فتح الباري بشرح صحيح البخاري (٦/ ١٥٨) .

<<  <   >  >>