للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

شبه الجزيرة العربية يمكن أن يشكل خطورة على إمبراطوريته المترامية الأطراف.

وعلى كل حال فمنذ بداية العام السابع الهجري بدأت العلاقات بين المسلمين والروم تتطور متصاعدة على طريق المواجهة العسكرية، فبدأ الروم بتأليب القبائل وتحريضها، إلى الاشتراك معها في غزوة مؤتة في حرب المسلمين وبهذا يكون الروم قد أعلنوا الحرب على الإسلام والمسلمين.

* المقدمات التي أدّت إلى غزوة مؤتة:

أشرنا فيما سبق إلى أن النبي صلّى الله عليه وسلم، بدأ يعطي عناية بالغة إلى جبهة حدود الدولة الإسلامية مع الشام- حيث يسيطر الروم- منذ بداية العام الخامس الهجري، حيث غزا بنفسه دومة الجندل، ثم أغزى زيد بن حارثة وادي القرى ثم أغزى عبد الرحمن ابن عوف دومة الجندل ثانية، وذلك لإظهار هيبة الإسلام في هذه الجهات ثم لإنذار القبائل العربية فيها، بأن التعرض للمسلمين بأي أمر لن يمر دون عقاب. ولكن يبدو أن هذه القبائل لم تفهم، أو لم ترد أن تفهم ذلك فدأبت على الاعتداء على المسلمين وبصفة خاصة على قوافل التجار المسلمين التي تمر بهم، ولم يسلم منهم حتى رسل النبي صلّى الله عليه وسلم، فبينما كان دحية بن خليفة الكلبي عائدا من عند هرقل- بعد أن سلمه رسالة النبي- تعرض له بعض من قبائل جذام، وأغاروا عليه، وأخذوا كل شيء معه «١» .

ثم بلغت هذه الاعتداآت قمتها في هذا العمل الغادر الدنيء وهو قتل الحارث بن عمير الأزدي، مبعوث النبي صلّى الله عليه وسلم إلى أمير بصرى، وإليك رواية ابن سعد عن هذا الحادث: «بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلم الحارث بن عمير إلى ملك بصرى بكتاب، فلما نزل مؤتة عرض له شرحبيل بن عمرو الغساني، فقتله، ولم يقتل لرسول الله صلّى الله عليه وسلم، رسول غيره، فاشتد ذلك عليه- أي: على النبي- وندب الناس فأسرعوا وعسكروا بالجرف، وهم ثلاثة آلاف.. وأوصاهم رسول الله صلّى الله عليه وسلم بأن يأتوا مقتل الحارث بن عمير، وأن يدعوا من هناك إلى الإسلام، فإن أجابوا، وإلا استعانوا بالله وقاتلوهم.. فلما فصلوا من المدينة سمع العدو بمسيرهم فجمعوا لهم، وقام فيهم شرحبيل بن عمرو، فجمع أكثر من مائة ألف وقدم الطلائع أمامه، وقد نزل المسلمون معان من أرض الشام، وبلغ الناس أن هرقل قد نزل ماب من أرض البلقاء


(١) ابن الأثير- الكامل (٢/ ٢٠٧) .

<<  <   >  >>