أعدائهم، وقد يحملهم هذا الشعور على التفكير في العدوان على هؤلاء الأعداء، وعندئذ يطالبهم الله تعالى بضبط النفس وكفها عن العدوان: وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ [المائدة: ٢] . هل هناك ما هو أروع من هذا السلوك في تنفير المسلمين من الحرب، ودعوتهم إلى كظم غيظهم وحصر الحرب في أضيق نطاق.
وحتى في حالة الحرب فإن القائد المسلم مدعو من الله سبحانه وتعالى إلى تفاديها ما استطاع إلى ذلك سبيلا، فإذا لاحت أمامه فرصة ولو ضئيلة لتحاشي الحرب، وتحقيق السلام- ولو بشيء من التضحية- فيجب عليه ألا يدع هذه الفرصة تفلت من يده. وهذا هو موقف الرسول صلّى الله عليه وسلم عام الحديبية- كما سنبين فيما بعد- يعتبر أوضح برهان على نظرة الإسلام إلى الحرب. فإذا أبدى العدو أيّ ميل إلى السلام؛ فعلى القائد المسلم أن يستجيب: وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ [الأنفال: ٦٢] . ومجيء هذه الآية الكريمة مباشرة بعد الآية التي تدعو المسلمين إلى الاستعداد العسكري القوي المؤثر الذي يرهب الأعداء، وهي قوله تعالى: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ [الأنفال: ٦٠] ؛ يدل على أن الاستعداد العسكري لا يعني بالضرورة الحرب، بل قد تؤتي القوة ثمرتها دون أن تستخدم، أو قد يرهبها العدو ويلقي سلاحه ويجنح إلى السلام، ويكفي الله المؤمنين شر القتال. هذا هو موقف الإسلام من الحرب، فهي ضرورة ويجب أن تقف عند مقتضياتها المشروعة، ويجب أن تبتعد عن أساليب التدمير، وهذا يدعونا إلى معرفة آداب الحرب في الإسلام.
[* آداب الحرب في الإسلام:]
ما نقصده باداب الحرب في الإسلام هو: مجموعة القواعد والمبادئ والتقاليد العسكرية التي أرساها الإسلام وطبقها النبي صلّى الله عليه وسلم، وكانت نصائحه ووصاياه دائما لقواد حملاته الحربية تدور في نطاقها، وهي تقاليد ومبادئ إنسانية في أهدافها، الغرض منها تخفيف ويلات الحرب على المقاتلين أنفسهم، فيحتم الإسلام على المسلمين الاعتناء بجرحى أعدائهم ومداواتهم وإطعامهم، ويحرم بطبيعة الحال الإجهاز عليهم أو إيذائهم بأي شكل من الأشكال. كما يطلب الإسلام من المسلمين تجنيب المدنيين شرور الحرب وأخطارها. فالإسلام مع اعترافه بالحرب