يُقاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ [البقرة: ١٩٠] ، والدفاع عن النفس عمل مشروع، أقرته كافة الشرائع السماوية، كما كفلته القوانين الوضعية.
[الحالة الثانية: الدفاع عن المظلومين]
، وهذا واجب على المسلمين، كما يفهم من هذه الآية الكريمة: وَما لَكُمْ لا تُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْ هذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُها [النساء: ٧٥] ، وهذا عمل إنساني في الدرجة الأولى. فنصرة المظلومين هدف أساسي من أهداف الإسلام.
[الحالة الثالثة: الدفاع عن حرية نشر العقيدة]
، وهذا هو واجب أصحاب العقيدة، كما تحثهم عليه الآية الكريمة: وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ [الأنفال: ٣٩] ، ونقول: الدفاع عن حرية نشر العقيدة، لا لنشر العقيدة؛ لأن العقيدة في حد ذاتها لا تحتاج إلى القوة لنشرها إذا خلت الطريق أمامها من العوائق، وإذا ابتعد الطغاة عنها وتركوها تشق طريقها إلى قلوب خلق الله في حرية وأمان.
هذه هي الحالات التي يسوغ فيها الإسلام الحرب، ويعتبرها عملا مشروعا.
والله سبحانه وتعالى لم يأذن للمسلمين بالقتال إلا بعد أن تعرضوا للظلم أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (٣٩) الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ [الحج: ٣٩، ٤٠] والتعبير في الآية الكريمة بالفعل المضارع يُقاتَلُونَ- مبنيّا للمجهول- ذو دلالة كبيرة مقصودة، فهو يدل على أن المسلمين تعرضوا فعلا للظلم وعندئذ كان لا بد من رفع الظلم عنهم ولا سبيل إلى ذلك أمام طغيان أعدائهم إلا حمل السلاح لرد العدوان. وحتى وهم في حالة الدفاع عن النفس فإن القرآن الكريم يذكرهم بألا ينسوا أن القاعدة الأساسية في علاقاتهم بالآخرين هي السلام، وإذا اضطروا للحرب فيجب حصرها في نطاق دواعيها فقط، أي: لرد العدوان دون زيادة من جانبهم، أو محاولة لتوسيع نطاقها. وفي كل الحالات يجب عليهم مراعاة تقوى الله سبحانه وتعالى: الشَّهْرُ الْحَرامُ بِالشَّهْرِ الْحَرامِ وَالْحُرُماتُ قِصاصٌ فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ [البقرة: ١٩٤] .
وفوق هذا فإن الله سبحانه وتعالى- الذي يعلم دخائل النفوس البشرية- ينبه المسلمين إلى ناحية هامة؛ وهي ناحية شعورية نفسية، فقد يضايقهم تصرف شاذ وظالم من