* قيام الدولة الإسلامية في عهد الرسول صلّى الله عليه وسلم:
كما امتازت الرسالة الإسلامية عن غيرها من الرسالات بأنها عالمية- كما وضحنا- امتازت كذلك بأنها دين ودولة، أي: إنها عقيدة دينية تنبثق منها شريعة يقوم على هذه الشريعة نظام اجتماعي كامل، يحقق- لو طبق تطبيقا سليما- سعادة البشر في الدنيا والآخرة.
ونصوص القرآن واضحة وقطعية الدلالة في ذلك المجال أيضا. فكما حمل القرآن الكريم النبي صلّى الله عليه وسلم مسؤولية تبليغ الرسالة للناس طبقا لقوله تعالى: يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ [المائدة: ٦٧] ؛ فقد حمله كذلك مسؤولية الحكم بين المسلمين طبقا لمبادئ وأصول هذه الرسالة.
يقول الله تعالى: وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ [المائدة: ٤٩] ، ويقول: إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللَّهُ وَلا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ خَصِيماً [النساء: ١٠٥] ، ويقول: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً [النساء: ٦٥] ، أَفَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ [المائدة: ٥٠] ، هذه النصوص القاطعة الواضحة لا نظن أنها تحتاج إلى كثير من الشرح والنقاش لنفهم منها أن الرسول صلّى الله عليه وسلم كان مأمورا بأن يكون حاكما للمسلمين وأن المسلمين لا يكونون مسلمين حقّا إلا إذا ارتضوه حاكما لهم، إن الإسلام كما هو عقيدة وعبادة فهو نظام حكم، ما دام الإسلام نظام حكم فلا بد من أن توضح الوسائل اللازمة لتطبيقه في واقع الحياة. ودراسة عهد الرسول صلّى الله عليه وسلم في المدينة ستوضح لنا أنه صلّى الله عليه وسلم قد أرسى قواعد الدولة المنظمة كأحسن ما يكون التنظيم، والحكومة التي ألفها الرسول صلّى الله عليه وسلم لإدارة هذه الدولة كانت ملائمة لعصره، ووافية بحاجيات المجتمع الذي كان يحكمه.
ولا يصح أن نلتمس في ولايات هذا العصر ومصطلحاته مماثلا أو مشابها لما كان في عهد الرسول.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه الحسبة في الإسلام: «وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلم في مدينته النبوية يتولى جميع ما يتعلق بولاة الأمور، يولي في