الموضوع الرئيسي الذي حاولنا معالجته في هذا البحث؛ هو العلاقات الدولية لدولة الإسلام في عهد النبي صلّى الله عليه وسلم. وقد رأينا أن تلك العلاقات كانت تقوم على أساس السلام مع الآخرين، كما تؤيد ذلك كل الأدلة والنصوص الموثوق بها، كما تؤيده وقائع التاريخ التي استشهدنا بها كثيرا في ثنايا البحث. وظهر لنا أن الإسلام لم يعمد إلى الحرب ليجبر الناس على اعتناقه، ولم يبدأ أحدا بعدوان قط. وعندما أباح الإسلام الحرب، أباحها للدفاع عن النفس، أو عن حرية نشر العقيدة، أو الدفاع عن المظلومين في الأرض. وحصر الإسلام الحرب في نطاق هذه الضرورات وحدها، ونفر من التوسع فيها؛ لأن الحرب ليست هدفا وإنما هي وسيلة لتحقيق هدف وهو إقامة السلام على الأرض، وتحقيق المساواة الكاملة بين بني البشر، ولتكون كلمة الله هي العليا، وشريعته هي الغالبة، وإذا سادت شريعة الله وحكمت تصرفات البشر، وقبلوها راضين، فلن يكون هناك مبرر للحرب على الإطلاق من وجهة نظر الإسلام. وبرغم وضوح الأدلة على أن السلام هو الأصل في العلاقات الدولية في الإسلام، وأن الحرب كانت استثناء دعت إليه الضرورة. إلا أن أعداء الإسلام والحاقدين عليه من المستشرقين وغيرهم، ما برحوا يروجون لفكرة سيطرت على عقولهم نتيجة لجهلهم لطبيعة الإسلام، ولمعنى كلمة الجهاد في الإسلام من ناحية ولتعصبهم ضد الإسلام كدين وحضارة من ناحية ثانية. هذه الفكرة هي أن الإسلام انتشر بالسيف، وأنه دين دموي، وأنه يدعو أتباعه دائما إلى حمل السلاح لإجبار الناس جميعا على اعتناقه بالقوة. وهذا هو نص كلام واحد من المستشرقين الذين يذهبون إلى هذا الرأي الخبيث؛ يقول كارل بروكلمان:
«يتحتم على المسلم أن يعلن غير المسلمين بالعداوة حيث وجدهم؛ لأن محاربة غير المسلمين واجب ديني»«١» . ولا ندري من أين جاء بروكلمان بهذه الحتمية، ونصوص القرآن الكريم واضحة أمامنا في النهي عن عدم الإكراه في الدين- كما قدمنا- ولا يكون القتال واجبا دينيّا على المسلم، إلا في حالة الدفاع عن النفس أو حرية العقيدة أو عن المظلومين في الأرض. أما من لم يبدأ المسلمين بعداء فليسوا
(١) كارل بروكلمان- تاريخ الشعوب الإسلامية (ص ٧٨) . وانظر كذلك- فان فلوتن- السيادة العربية في عهد بني أمية (ص ٥) وما بعدها.