للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مشاهدة مواقع الغزوات بنفسه ويتفقد الميادين التي شهدت جهاد الرسول صلّى الله عليه وسلم وأصحابه.

بل إن الاهتمام بمغازي رسول الله صلّى الله عليه وسلم لم يبق مقصورا على مؤلفات علماء المغازي والسير؛ فعلماء الحديث من أصحاب الصحاح والسنن والمسانيد وغيرهم قد ضمّنوا كتبهم أبوابا عن مغازي رسول الله صلّى الله عليه وسلم؛ لهذا- ربما- اكتفى محمد بن سعد بأن سمى كتاب ابن إسحاق: كتاب «المغازي» . ثم أخذت فكرة الكتابة في هذا المجال تنمو وتتطور حتى شملت حياة الرسول كلها والتأريخ للدعوة والدولة الإسلامية في عهده صلّى الله عليه وسلم وهذا ما يفهمه الناس الآن إذا تحدثوا عن السيرة النبوية.

[* متى ألف ابن إسحاق؟]

الرواية المشهورة أن محمد بن إسحاق ألف كتابه- السيرة والمبتدأ والمغازي- في العراق بتكليف من الخليفة العباسي أبي جعفر المنصور، فالبغدادي في تاريخ بغداد، وابن خلكان في وفيات الأعيان «١» ، وغيرهما ممن ترجموا لابن إسحاق: يروون أنه وفد على أبي جعفر المنصور في الحيرة، وذلك قبل أن يتم بناء بغداد وينتقل إليها المنصور- ولقد انتقل المنصور إلى بغداد واتخذها عاصمة لدولته (سنة ١٤٥ هـ) - وبينما كان ابن إسحاق عند المنصور، ودخل عليه محمد بن المنصور- الذي لقب بالمهدي بعد أن أصبح خليفة بعد وفاة أبيه- فقال المنصور لابن إسحاق: أتعرف هذا يا ابن إسحاق؟ قال: نعم، هذا ابن أمير المؤمنين. قال: اذهب فصنف له كتابا منذ خلق الله آدم عليه السّلام إلى يومنا هذا. فذهب فصنف له هذا الكتاب، فقال المنصور: لقد طولته يا ابن إسحاق، فاذهب فاختصره. فاختصره، فهو هذا الكتاب المختصر، وألقى الكتاب الكبير في خزانة أمير المؤمنين.

معنى هذا أن سيرة ابن هشام التي بين أيدينا، والتي هي تلخيص لسيرة ابن إسحاق الأصلية، هي تلخيص التلخيص، أو مختصر المختصر، وأن الكتاب الأصلي كان كبير الحجم جدّا ولم يصل إلينا لسوء الحظ، حتى تلخيص ابن إسحاق الأصلي لم يصل إلينا كاملا حتى الآن، وإن كنا سمعنا أنهم عثروا عليه مخطوطا في المملكة المغربية ولكنهم يتكتمون أمره، وحتى الآن لا نعرف ما إذا كانوا عثروا عليه حقيقة أم لا، وإذا كانوا عثروا عليه هل نشروه أم لا، وكل ما نعرف منه هو


(١) انظر: تاريخ بغداد (١/ ٢٢٠) ، ووفيات الأعيان (٤/ ٢٧٧) .

<<  <   >  >>