على كل حال فإن سجل تاريخ العلاقات الإسلامية البيزنطية يزخر بأمثال تلك الرسائل التي كان الخلفاء والأباطرة يتبادلونها في شتى المناسبات، مما يدل على حيوية تلك العلاقات وتنوعها.
[* الوفود والبعثات العلمية:]
لا أظن أننا في حاجة هنا إلى تأكيد اهتمام الإسلام بالعلم بشتى فروعه وأنواعه، وحث المسلمين على تعلمه من أي إنسان وفي أي مكان، ومن مأثوراتنا الإسلامية في ذلك المجال- وهي كثيرة-: «اطلبوا العلم ولو في الصين» وهو قول أريد به حث المسلم على طلب العلم مهما كلفه ذلك من جهد، ومهما بعدت المسافات، ومن مأثوراتنا كذلك:«الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق الناس بها ولا يضره من أي وعاء خرجت» ولقد كان النبي صلّى الله عليه وسلم يحث أصحابه على تعلم اللغات الأجنبية، مما يعدّ إشارة لها دلالة في توجيه المسلمين إلى الرحلة في طلب العلم غير المتيسر في بلادهم والبحث عنه في أي مكان، ومن ثم كانت الرحلة في طلب العلم من أبرز روافد الحضارة الإسلامية، ولقد شغف المسلمون بالعلم شغفا يدعو إلى الإعجاب، وبذلوا من أجله المال والوقت والجهد ومن حسن حظ المسلمين أنهم أصبحوا ورثة الحضارة العالمية التي خلفتها القرون والأجيال السابقة على ظهور الإسلام، حيث أصبحت كل مراكز تلك الحضارة المنتشرة في البلاد التي فتحها المسلمون؛ العراق وفارس والشام ومصر وشمال أفريقيا والأندلس وغيرها- أصبحت كل تلك المراكز في أيدي المسلمين. فصانوها وحفظوها وعربوها، أي ترجموها إلى لغتهم، واستفادوا منها استفادة عظيمة وأضافوا إليها من عبقريتهم وإبتكاراتهم ما جعل شعلة الحضارة العالمية متقدة وضاءة حتى تسلمتها منهم أوربا وصنعت الحضارة الحديثة.
ولقد أقبل المسلمون على هذا التراث الحضاري منذ وقت مبكر، ففي العصر الأموي ترجمت عدة كتب في الطب والكيمياء، في عهد عمر بن عبد العزيز (٩٩- ١٠١ هـ/ ٧١٨- ٧٢٠ م) وهشام بن عبد الملك (١٠٥- ١٢٥ هـ/ ٧٢٣- ٧٤٣ م) . بل قبل ذلك كان الأمير الأموي خالد بن يزيد بن معاوية (ت نحو ٨٥ هـ) قد وهب حياته للعلم، وأغرم بترجمة كتب الكيمياء إلى اللغة العربية، ترجمها له أحد علماء مدرسة الإسكندرية، ولم يستنكف ذلك الأمير الأموي التلمذة على أيدي الأساتذة غير المسلمين، وما فعله خالد بن يزيد، وما حدث بعده في العصر الأموي كان