العرب، ناهيك عن حبه لمولاه زيد بن حارثة وابنه أسامة الذي كان معروفا بحبّ رسول الله وابن حبّه.
لهذا لا يقلل من شأن الأنبياء السابقين- عليهم الصلاة والسلام- أن تكون رسالاتهم محدودة؛ لأن هذا وضع اقتضاه تطور البشرية، وكل منهم أدى دوره، وكان لبنة في صرح بناء عقيدة التوحيد، حتى جاء الوقت الملائم لوضع اللبنة الأخيرة، فكانت رسالة محمد- عليه الصلاة والسلام- وهنا نجد أنفسنا أمام سؤال آخر- وهو سؤال قديم متجدد- هو: إذا كانت رسالة محمد صلّى الله عليه وسلم عالمية لكل الجنس البشري، فما هو السبيل لحمل الناس كافة على اعتناق هذه الرسالة والإيمان بها؟ والإجابة على السؤال نجدها في القرآن الكريم، حيث حدد لصاحب الرسالة- عليه الصلاة والسلام- الأسلوب الذي ينبغي عليه أن يتبعه في الدعوة إلى دينه، حيث يقول: ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ.. [النحل: ١٢٥] . وينبه القرآن الكريم النبي صلّى الله عليه وسلم إلى عدم اللجوء إلى القوة لإكراه أحد على اعتناق الإسلام، وذلك في نص صريح: لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ.. [البقر: ٢٥٦] . ويلفت القرآن الكريم نظر النبي إلى أن حمل الناس كافة على اعتناق دين واحد قد يكون أمرا صعبا إن لم يكن مستحيلا، فيقول تعالى: وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ [يونس: ٩٩] ، ويقول: وَما أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ [يونس: ١٠٤] . وقد يتبادر إلى بعض الأذهان أن هاهنا تناقضا؛ إذ بينما نقول: إن رسالة الإسلام عالمية، نعترف بأن حمل الناس كافة على اعتناق دين واحد هو أمر صعب، كما تشير الآيات السابقة، ولكن بشيء من الإمعان والبعد عن الجدل العقيم والتعصب، نجد ألا تناقض هناك على الإطلاق؛ لأن معنى عالمية الإسلام- كما نفهمها نحن المسلمين- أن رسالة الإسلام مفتوحة لكل البشر دون أية قيود، أو عوائق، وليست ديانة مغلقة، أو مقصورة على فئة بعينها كما يدعي اليهود أن ديانتهم خاصة بهم وحدهم، خصهم الله بها دون سائر البشر.
أما نحن المسلمين فلا ندعي ذلك، بل نؤمن- ويشرفنا- أن رسالتنا عالمية، وديننا شامل ومفتوح أمام جميع الناس، من كل جنس ولون، فكل من يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، فهو مسلم له كل الحقوق وعليه كل الواجبات التي على المسلمين.