للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثم جاء دور بني النضير بعد غزوة أحد في العام الهجري الثالث، وتامرهم لقتل النبي صلّى الله عليه وسلم، مما جعل طردهم من المدينة أمرا ضروريّا؛ جزاء هذا المكر الخبيث، وتخليص عاصمة الإسلام من هذا الميكروب اللعين «١» . ولكن بني النضير لم يتعظوا بما حل بهم، فقد استمروا في التامر ضد الرسول والمسلمين، ولعبوا دورا خطيرا في تأليب قريش وحلفائها لمهاجمة المدينة فيما عرف بغزوة الأحزاب في نهاية العام الخامس للهجرة، كما تولى زعيمهم حيىّ بن أخطب أمر تأليب بني قريظة وحملهم على نقض عهودهم مع النبي صلّى الله عليه وسلم، والانضمام إلى قريش والأحزاب في محاولة استئصال المسلمين، وأوقعهم في ارتكاب الخيانة العظمى ضد الدولة الإسلامية في وقت الحرب. الأمر الذي جعل لزاما على النبي صلّى الله عليه وسلم أن يعاقبهم العقاب العادل، فلم يكد الأحزاب يرجعون خائبين، حيث ردهم الله تعالى بغيظهم لم ينالوا خيرا، حتى تحرك الرسول بسرعة وحاصر يهود بني قريظة وقضى عليهم «٢» . ولكن دسائس اليهود وأحقادهم لم تنته بطرد بني قينقاع وبني النضير من المدينة، واستئصال بني قريظة، بل استمروا في التامر من خيبر «٣» وغيرها من المستعمرات اليهودية في شمال المدينة، الأمر الذي كان يشكل عقبة كبيرة في طريق انطلاق الدعوة الإسلامية، وكان وجود اليهود في خيبر وما جاورها من واحات يهودية في شمال المدينة بينها وبين الشام، يعد خطرا على الدعوة الإسلامية التي لا بد أن تسلك هذا الطريق لتخرج إلى العالم. ولذلك لم يكد الرسول صلّى الله عليه وسلم يعود من الحديبية في نهاية العام السادس للهجرة حتى تحرك لحصار اليهود في خيبر، والقضاء على أخطر وكر من أوكار الخيانة والغدر ضد الإسلام في شبه الجزيرة العربية. داهم الرسول صلّى الله عليه وسلم اليهود في خيبر، وصاح الصيحة التي زلزلت الأرض تحت أقدامهم: «الله أكبر خربت خيبر إنا إذا نزلنا بساحة قوم فَساءَ صَباحُ الْمُنْذَرِينَ» «٤» بدأت المعارك في خيبر شرسة، ولكن تحت ضربات جند الله القوية، أخذت حصون خيبر المنيعة تتساقط في أيدي المسلمين بما فيها ومن فيها، وأذعنوا واستسلموا وطلبوا الصلح، هنا يقدم لنا


(١) انظر في أمر بني النضير ابن هشام (٢/ ١٩١) وانظر كذلك ابن كثير (٤/ ٧٤) .
(٢) انظر في أمر بني قريظة ابن هشام (٣/ ٢٥٢) وانظر كذلك محمد أحمد باشميل- غزوة مؤتة (ص ٧، ٨) ومنتجومري وات- محمد في المدينة (ص ٣٢٤) . ود. هيكل- حياة محمد (ص ٣٢) وما بعدها.
(٣) منتجومري وات- محمد في المدينة (ص ٣٣٢) .
(٤) ابن هشام (٣/ ٣٨٠) .

<<  <   >  >>