للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

السّندي، الذي وصفة الإمام أحمد بن حنبل بأنه كان بصيرا بالمغازي «١» . وقد ألف فيها كتابا ذكره ابن النديم في الفهرست، اقتبس منه ابن سعد في كتابه الطبقات الكبرى في الجزء الخاص بالسيرة النبوية وكذلك الطبري. وقد استفاد الواقدي كثيرا من علم أبي معشر خاصة في المغازي والتاريخ عندما تتلمذ عليه وهو في المدينة «٢» .

وقد اتصل الواقدي بالخلفاء العباسيين، بدا من هارون الرشيد عن طريق علمه وسعة معلوماته عن الغزوات ومشاهد رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فقد روي أن أمير المؤمنين هارون الرشيد لما حجّ في أول سنة من خلافته (سنة ١٧٠ هـ) ، قال ليحيى بن خالد البرمكي: «ارتد لي رجلا عارفا بالمدينة والمشاهد، وكيف كان نزول جبريل عليه السّلام على النبي صلّى الله عليه وسلم. ومن أي وجه كان يأتيه، وقبور الشهداء. فسأل يحيى بن خالد عن العالم الذي تتوفر فيه تلك الصفات التي طلبها الخليفة فدله الناس على الواقدي، وذلك حسب قوله هو- أي: الواقدي- فقد قال: «كلهم دلّه عليّ، فبعث إليّ فأتيته، وذلك بعد العصر، فقال لي: يا شيخ؛ إن أمير المؤمنين- أعزه الله- يريد أن تصلي العشاء الآخرة في المسجد، وتمضي معنا إلى هذه المشاهد، فتوقفنا عليها ففعلت، ولم أدع موضعا من المواضع، ولا مشهدا من المشاهد إلا مررت بهما- يعني الخليفة هارون الرشيد ووزيره يحيى بن خالد البرمكي- عليه، ومنحاه مالا كثيرا وطلب إليه يحيى بن خالد البرمكي- الذي كانت كلمته نافذة في الدولة العباسية كلها في ذلك الوقت- أن يصير إليه في العراق، ففعل، وتوطدت صلته به وأغدق عليه كثيرا من الأموال وأخلص هو في حبه للبرامكة، حتى أنه بعد نكبتهم المشهورة (سنة ١٨٧ هـ) كان كثير الترحم على يحيى بن خالد كلما ذكر اسمه.

ورغم صلة الواقدي القوية بالبرامكة إلا أن مكانته في بلاط خلفاء بني العباس ظلت كما هي ولم ينله ضرر بسبب تلك الصلة بعد نكبتهم، بل ازدادت مكانته وثقة الخلفاء فيه إلى الحد الذي جعل المأمون يوليه القضاء في عسكر المهدي، وهي المحلة المعروفة بالرصافة في شرق بغداد. وكان المأمون كثير الإكرام له، ويداوم على رعايته، وظل في منصب القضاء حتى وفاته (سنة ٢٠٧ هـ) على أرجح الأقوال.


(١) انظر ضحى الإسلام (٢/ ٣٣٣) .
(٢) انظر ضحى الإسلام (٢/ ٣٣٣) .

<<  <   >  >>