وهذه الرسالة من الوضوح بحيث لا تحتاج إلى تعليق، إنما يكفي أن نقول: إن الإسلام قد أقام علاقات المسلمين بغيرهم- وبصفة خاصة أهل الكتاب- اليهود والنصارى- على أسس وقواعد ثابتة يمكن تلخيصها فيما يأتي:
١- أن الأصل في علاقات المسلمين بغيرهم من الأمم هو السلام، وأن الحرب هي الاستثناء الذي لا يلجأ إليه إلا عند الضرورة القصوى.
فالإسلام دين السلام، واسمه نفسه مشتق من السلام، بل إن الإسلام ينظر إلى الحرب على أنها من إغواء الشيطان، ولذلك يدعو المسلمين جميعا إلى تجنبها والدخول في السلام، بقوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ [البقرة: ٢٠٨] كما يأمر الإسلام المسلمين بالجنوح إلى السلام إذا جنح الأعداء، بقول الله تعالى: وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ [الأنفال: ٦١] ، وحتى في أثناء الحرب إذا كف العدو عن القتال فيجب أن يكف عنه المسلمون فورا، ويقول تعالى: فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَما جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا [النساء: ٩٠] .
والنصوص في هذا الباب في القرآن والسنة لا حصر لها.
٢- الأصل الثاني الذي تقوم عليه علاقات المسلمين بغيرهم؛ هو النظر إلى الناس جميعا على أنهم أمة واحدة، ومن أب واحد وأم واحدة، دون تفرقة على أساس الجنس أو اللون أو اللغة، وقد صرح القرآن الكريم بهذه الوحدة الإنسانية في أصل الخلقة في كثير من آياته منها قوله تعالى: يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ [الحجرات: ١٣] وكذلك صرحت السنة النبوية بذلك في أحاديث تفوق الحصر.
٣- الأصل أو الأساس الثالث الذي أقام عليه الإسلام علاقات المسلمين بغيرهم، هو الوفاء بالعهود والمواثيق التي تنظم تلك العلاقات، وهذه قضية أكد عليها الإسلام تأكيدا شديدا، ولم يبح للمسلمين تحت أي ظرف من الظروف نقض معاهداتهم مع غيرهم أو نكثهم بها، حتى ولو لحقهم ضرر من التمسك بها؛ لأن أي ضرر- مهما كان- أخف من نقض العهد وما يترتب عليه من فقدان الثقة بين الأمم والشعوب؛ لأن معظم الحروب والكوارث التي تحدث بين الدول والأمم والشعوب لا تحدث لعدم وجود معاهدات- فما أكثر المعاهدات- ولكن تأتي من